CABINET M.BRAHIMI , Avocat

حق الولوج للوثائق الإدارية : بين القانون و الواقع

mohamed brahimi By On 16/01/2025

 Image doc 1

في كثير من الأحيان يواجه المواطن صعوبات في الحصول على الوثائق التي تحتفظ بها الإدارات وغيرها من الهيئات أو المؤسسات العمومية على الرغم من أن القانون يضمن حق  الولوج  إلى هذه الوثائق ويكرس مبدأ حق المواطن في الحصول على المعلومات الإدارية. يتم إعلام المواطنين بالتنظيمات والتدابير التي تصدرها الإدارة إما بالنشر في الجريدة الرسمية أو عن طريق الصحافة أو النشر في الأماكن العمومية، أو بتبليغ   الشخص المعني  عندما يتعلق الأمر بقرارات  فردية أو  كذلك بتبليغ أي معلومة أو مستند  في حوزة الإدارة يطلبها المواطن.

المرسوم رقم 88-131 المؤرخ في 4 جويلية 1988 المنظم  للعلاقات بين الإدارة و المواطن هو الذي أقر حق ولوج المواطن إلى الوثائق والمعلومات الإدارية.  كرس هذا المرسوم حقا عاما يطبق  على جميع الوثائق الإدارية ما لم ينص  قانون  خاص على استبعاد وثيقة معينة من هذا الحق .عرف  الأمر رقم 21-09  المؤرخ في  08/06/2021 المتعلق بحماية المعلومات و الوثائق الإدارية مفهومي " الوثيقة "  و " المعلومات " . تتمثل الوثيقة  في المراسلات و المحررات و المستندات التي أنشأتها أو حصلت عليها أي من السلطات المعنية  أثناء ممارسة  نشاطها . و أما المعلومات  فتتمثل  في أي حدث  أو خبر مهما كان مصدره  كوثيقة أو صورة أو شريط صوتي أو سمعي بصري أو محادثة  أو مكالمة هاتفية.     

رغم أن مبدأ الولوج الحر إلى الوثائق الإدارية قد تم إقراره في الجزائر على شكل مرسوم وليس على شكل نص تشريعي  و يشير إلى " الإدارة " دون تمييز  و هو الأمر الذي قد يقيد نطاق تطبيقه و يستثني  هيئات القانون الخاص  المكلفة بتسيير مرفق عام التي تحتفظ  هي كذلك بكمية كبيرة من الوثائق الإدارية، فإن ذلك لا ينزع لهذا المرسوم أهميته المتميزة علما أنه موقع  من طرق رئيس الجمهورية. الملاحظ أن المرسوم المؤرخ في 4 جويلية 1988 المنشور في الجريدة الرسمية في طبعتها العربية و الأصلية  يتكلم عن  العلاقات بين الإدارة و  " المواطن "  citoyen فيما أن الجريدة الرسمية  في طبعتها المترجمة إلى اللغة الفرنسية تتكلم عن علاقات الإدارية مع " المتعامل مع الإدارة " administré الذي يؤدي معنى العلاقة التبعية و الخضوع للإدارة . كون  النص المنشور بالجريدة الرسمية  في طبعتها العربية هو النص الرسمي الذي يجب تطبيقه فإنه يجب قراءة المرسوم المؤرخ في 4 جويلية 1988  قراءة  واسعة  فيجوز لأي مواطن الاحتجاج بنصوصه.

 

المرسوم المؤرخ في 4 جويلية  1988 لم يقدم  أي تعريف للوثيقة الإدارية و مع ذلك  فإن القضاء الإداري الذي يعطي قراءة ليبرالية و واسعة  لأحكام هذا المرسوم يعتبر كوثائق إدارية الوثائق التي تصدرها أو  تتلقاها في إطار مهام الخدمة العامة الدولة أو الجماعات المحلية وكذلك الوثائق التي تصدر عن أشخاص آخرين من القانون العام أو حتى من قبل أشخاص القانون الخاص المكلفين بتسيير مرفق عام . وتشمل هذه الوثائق الملفات والتقارير والدراسات والمحاضر والإحصائيات والتوجيهات والتعليمات والمذكرات الوزارية والمراسلات والآراء والتنبؤات والقرارات. ومن المستقر عليه قضاء كذلك  أن حق المواطن  في تبليغ الوثائق الإدارية   لا ينطبق إلا على الوثائق  المكتملة  و لذلك  فإن هذا الحق  لا يخص  الوثائق التحضيرية  التي تسبق اتخاذ  القرار الإداري  طالما أنها قيد التطوير ، وفي جميع الأحوال  فإن  هذا الحق ينتفي عندما تكون  الوثائق الإدارية   محل  نشر و بث عموميين.

تجدر  الإشارة  كذلك إلى أن القانون رقم 18-07 المؤرخ 10  جويلية  2018 المتعلق بحماية   الأشخاص الطبيعيين  في مجال معالجة المعطيات  ذات الطابع الشخصي يسمح من جهة لأي شخص  الحصول  من المسئول عن المعالجة  أن يفيده  وفق شكل مفهوم  بالمعطيات الخاصة  به  التي تخضع للمعالجة  و كذا بكل معلومة  متاحة حول  مصدر المعطيات  ، و من جهة أخرى   أنشأ سلطة  وطنية  لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي  مكلفة  بتلقي الاحتجاجات  و الطعون و الشكاوى  بخصوص تنفيذ معالجة  المعطيات  ذات الطابع الشخصي و إعلام أصحابها بمآلها .

كذلك فإن بعض النصوص الخاصة  تفرض    على بعض الإدارات  نشر و تسليم  الوثائق الإدارية التي بحوزتها. وهكذا وتطبيقا لأحكام المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري  فإن  مسئولي  إدارة مسح الأراضي و الحفظ العقاري   يكونون ملزمين من جهة  بإعطاء  لمن يطلبها المعلومات  الموجودة في  وثائقهم  و المتعلقة بالعقارات ( المادة 3 )  و من جهة أخرى  تسليم كل من يطلبها نسخا أو مستخرجات عن  الوثائق المودعة  بمكاتبهم ، نسخ أو مستخرجات عن   بطاقات العقارات  أو شهادات  بعدم وجود  أي بطاقة التي طلبت  عنها نسخ أو مستخرجات ( المادة  55 ).

و بخصوص   الوثائق  الممسوكة   لدى إدارة مسح الأراضي و الحفظ العقاري  التي يزداد الطلب عليها فغالبا ما ترفض هذه الإدارة  تسليم  بعض  الوثائق بحجة أن  حق   الحصول عليها  يخص فقط مالكي العقارات دون غيرهم.  هذا الرفض هو في الواقع مخالف للقانون  باعتبار أن  المادة 55 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري تقر حق  الحصول على هذه الوثائق   دون تمييز   . عملا بهذا المرسوم، يجوز لأي شخص أن  يحصل  من  إدارة الحفظ العقاري  على ا لوثائق الممسوكة لديها لا سيما  نسخة من عقد مسجل أو مشهر ،    مستخرج  للوثائق المسجلة  أو  المشهرة ، نسخة  من جدول تسجيل الرهون و الامتيازات ، نسخة من الدفتر العقاري أو  الشهادة المتعلقة  بالتسجيلات و الإشهارات الإيجابية و السلبية .   أما بالنسبة لإدارة مسح الأراضي  فإن كل الوثائق الممسوكة لديها   و التي تم جردها على الموقع الالكتروني التابع للمديرية العامة للأملاك الوطنية فإنها تكون قابلة لتسليمها لأي شخص يطلبها  و يتعلق الأمر بالخصوص  بوثيقة القياس  ((CC2 / CC2 bis  ،  و الكشف  المبين  للتغييرات التي طرأت على الأملاك العقارية ( ( CC3)   ،  و  مستخرج مسح الأراضي  و مستخرج عقد (CC4 bis) ،   و مستخرج من دفتر المساحة  (CC11 )  ، و مستخرج من حالة القسم     (CC12)، و مستخلص كشف  التغييرات (CC13)، و  الكشف للمعلومات  ذات الطابع الخاص بمسح الأراضي   (CC14)  ، و المستخرج من مخطط مسح الأراضي  (CC15 و  CC16).

باستثناء الوثائق الإدارية التي يتم نشرها بإتباع الإجراءات ذات الصلة (الجريدة الرسمية، نشرة  العقود الإدارية، النشر...) أو عن طريق الإخطار الشخصي ( بالنسبة للقرارات الفردية)، يحق  للمواطن  أيضا  الحصول على أي وثيقة صادرة عن الإدارة غير محمية بتقييد. وهكذا فبموجب المادة 10 من المرسوم  المؤرخ في 4 جويلية 1988: "مع مراعاة أحكام التنظيم المعمول به في مجال المعلومات المحفوظة و المعلومات التي يحميها السر المهني  ، يمكن  المواطنين  أن يطلعوا  على الوثائق والمعلومات الإدارية ". وبموجب نفس  النص  فإن الاطلاع  على هذه الوثائق يتم  عن طريق الاستشارة المجانية  في عين المكان  أو  تسليم نسخ منها  على نفقة الطالب بشرط  ألا يتسبب الاستنساخ  في إفساد الوثيقة   أو   بالمحافظة عليها.

إذا كان المبدأ العام هو أن لكل مواطن الحق في  الاطلاع على  الوثائق التي تحتفظ بها الإدارات و استلام نسخ منها  باستثناء الوثائق المحمية، فما هي وسيلة الطعن التي يمكن أن يلجأ إليها  المواطن  الذي يرفض طلبه بالاطلاع أو باستنساخ   وثيقة إدارية ؟  يمكن طبعا اللجوء إلى  القضاء عن طريق رفع دعوى أمام  القاضي الإداري  لا سيما أما القاضي الاستعجالي  الإداري  الذي سيصدر  حكم  في شكل أمر على ذيل العريضة ( الإجراء القديم ) أو  في شكل أمر استعجالي ( الإجراء الساري في التشريع الجديد ) و الذي يأمر بموجبه الإدارة المعنية  بتسليم الوثيقة أو المعلومة  الإدارية  المطلوبة .  على الرغم من أن هذا  الطعن يكون مقبولا في إطار الإجراءات الإدارية العادية، إلا أنه في غياب نص صريح في المرسوم المؤرخ  في 4  جويلية  1988  يقر صراحة مثل هذا  الطعن ، فإن بعض المحاكم الإدارية  كانت ترفض طلبات إلزام الإدارات بتسليم  الوثائق  الإدارية  الممسوكة لديها على أساس أسباب  في معظمها خاطئة  مفادها أنه بإمكان الطالب الحصول على هذه الوثائق أثناء سير الدعوى الإدارية في الموضوع التي  يخاصم فيها هذه الإدارة فيما أنه قد يقع أن  يكون  المعني بحاجة إلى استلام وثيقة  إدارية دون أن ينوي رفع دعوى قضائية. 

في بعض البلدان فإن ضمان تطبيق حق  المواطن في الحصول على  الوثائق الإدارية  يتم  عن طرق هيكل  إداري خاص مكلف بمراقبة احترام هذا  الحق من قبل الإدارة. في فرنسا  مثلا فإن لجنة الولوج إلى الوثائق  الإدارية  التي هي سلطة إدارية مستقلة  هي المكلفة  بالسهر على احترام حرية الولوج إلى الوثائق الإدارية . تتدخل هذه اللجنة  بطلب من كل شخص الذي رفض طلبه بالاطلاع  أو  باستلام وثيقة إدارية  أو لم يتلقى جوابا ، و تفصل هذه اللجنة في هذا الطلب عن طريق رأي يفصل في قابلية الوثيقة المطلوبة  للاطلاع عليها  أو استنساخها.  

أنشأ  المرسوم المؤرخ في  4  جويلية  1988  هيكلا  خاصا مكلفا بالبت في كل طلبات و شكاوى المواطنين لا سيما البت في  الطلبات  المتصلة  بحق الولوج إلى الوثائق الإدارية  إذ  تنص المادة 34-2  من  هذا المرسوم على ما يلي: يجب  على الإدارة  أن ترد على كل الطلبات  أو الرسائل أو التظلمات  التي يوجهها المواطن  إليها ،  و لهذا الغرض  تحدث  هياكل في المستويين  الوطني و المحلي  تكلف على الخصوص بالبت  في عرائض المواطنين" . و لكن هذه الهياكل لم يتم إنشائها و بقيت حبر على ورق.  أنشأ  المرسوم الرئاسي رقم 20-45  المؤرخ في 15 فيفري 2020  هيكل  خاص و هو  وسيط الجمهورية المخول له صلاحيات  المتابعة و الرقابة العامة  التي تسمح له بتقدير حسن علاقات الإدارة بالمواطنين. رغم أنه يجوز  إخطار وسيط الجمهورية  من طرف لأي شخص للاحتجاج على  رفض الإدارة  تسليمه وثيقة إدارية أو الاطلاع عليها فإن  مهام وسيط الجمهورية  تتمثل أساسا في  حل المنازعات  و تحسين أداء الإدارة  و المرافق العامة  فيما أن الهيكل المنصوص عليه في المادة 32 من المرسوم المؤرخ في 4 جويلية 1988 يتدخل  أساسا في إشكالات الولوج إلى الوثائق و المعلومات  الإدارية  و السهر على  شفافية الإدارة في هذا المجال .

في كل الأحوال وحتى في غياب الهيكل المنصوص عليه في المرسوم المؤرخ  في 4 جويلية  1988 والذي كان من المقرر تكليفه بالبت   في طلبات الأشخاص الذين تم رفض  ولوجهم  إلى وثيقة إدارية، فإن هذا  المرسوم  أقر  التزامات على موظفي الإدارات  في مجال  تمكين  المواطنين من الولوج  إلى الوثائق الإدارية. 

أولا  فإن المرسوم المؤرخ في  4 جويلية 1988  يقر مبدأ عاما  مفاده  أن الإدارة ملزمة  بأن تطلع المواطنين على التنظيمات و التدابير التي تسطرها  كما  يتعين عليها  أن تنشر بانتظام التعليمات و المناشير و المذكرات و الآراء التي تهم علاقتها بالمواطنين ( المادة 9). وفيما يتعلق على وجه الخصوص بمسألة  الولوج إلى الوثائق الإدارية فإن المادة 10 من هذا المرسوم  تنص على أنه يمكن للمواطنين أن يطلعوا على  الوثائق والمعلومات الإدارية إما عن طريق الاستشارة المجانية  في عين المكان  أو  تسليم نسخ منها  على نفقة الطالب  بشرط ألا يتسبب الاستنساخ في إفساد الوثيقة أو يضر بالمحافظة عليها  ، و أن كل  منع من  الاطلاع على هذه الوثائق  يلزم الإدارة  بإشعار المواطن بهذا المنع  بمقرر مسبب  أي  يجب على   الإدارة التي رفضت طلب  مواطن بالاطلاع أو استنساخ وثيقة ممسوكة لديها   أن تصدر قرارا كتابيا   يبلغ  للطالب تعرض فيه الأسباب  التي جعلتها ترفض طلبه . و الحق في الولوج  للوثائق الإدارية  يشمل كذلك الوثائق المودعة في محفوظات الإدارات  و  في مركز المحفوظات الوطنية.

 مبدئيا  تكون جميع الوثائق و المعلومات  الإدارية قابلة للاطلاع عليها أو استنساخ نسخ منها باستثناء الوثائق المصنفة  أو التي يحميها السر المهني  أو التي  تتصل  بحياة الفرد الخاصة أو  المرتبطة  بوضعيته  الشخصية . عرف  الأمر رقم 21-09  المؤرخ في  08/06/2021  المتعلق بحماية المعلومات و الوثائق الإدارية الوثائق المصنفة على أنها أي مكتوب ورقي أو إلكتروني  أو رسم أو مخطط  أو خريطة أو صورة  أو شريط صوتي  أو سمعي بصري  أو أي سند مادي  أو إلكتروني  آخر كانت محل  تدابير ترمي  إلى منع نشرها  أو تقييد الاطلاع عليها.  

طبقا  للمادة 30 من المرسوم  المؤرخ  في 4  جويلية  1988  لا يجوز للموظف  تحت أي ذريعة  رفض تسليم وثيقة إدارية   يحق للمواطن الحصول عليها  قانونا ، أو اعتراض سبيل  الوصول إلى  وثائق إدارية  مسموح بالاطلاع عليها ، أو رفض إعطاء معلومات  أو التسبب في تأخير تسليم  العقود و الأوراق الإدارية ، أو المماطلة  في ذلك دون مبرر ، أو كذلك المطالبة  بأوراق أو وثائق  لا ينص عليها  التشريع و التنظيم  الجاري بهما العمل.  و حسب نفس المادة فإن  إخلال الموظف  بهذه الواجبات ينجر عنه عقوبات تأديبية قد تصل إلى  العزل  في حالة العود . أكثر من ذلك   فقد يسأل الموظف مدنيا و حتى جزائيا إذا رفض تسليم  المواطن أو  اطلاعه على وثيقة أو معلومة إدارية  و هذا عملا بالمادة 40  من هذا المرسوم م  التي تنص : ": "يتعرض الموظفون لعقوبات تأديبية  قد تصل إلى العزل  مع الحرمان من حق المعاش  في حالة اعتراضهم  لسبيل التدابير  المتخذة لتحسين العلاقات  بين الإدارة و الموظفين  و هذا دون المساس بالعقوبات  المدنية  و الجزائية  التي يتعرضون لها  طبقا للتشريع الجاري  به العمل  بسبب أخطائهم الشخصية ".

ومع ذلك  يبقى المواطنين يشكون في كثير من الأحيان من التأخير غير المبرر في معالجة طلباتهم  بالولوج إلى  الوثيقة أو المعلومة الإدارية المطلوب  الاطلاع  عليها أو استنساخها . في هذه الحالة و في غياب هيكل إداري مكلف بالبت و الاستجابة  لعرائض و شكاوى المواطنين اللذين رفضت طلباتهم  بالولوج إلى وثيقة إدارية   فإن  الطعن الذي يمكن  للمواطن    اللجوء إليه   هو في أغلب الأحيان  الطعن القضائي  أمام المحكمة الإدارية .

ينص المرسوم  المؤرخ في 4  جويلية  1988 بإيجاز على وسائل  الطعن التي يمكن  اللجوء إليها  في حالة عدم استجابة الإدارة لطلب الولوج  إلى وثائق أو معلومات إدارية .  أولا  و طبقا للمادة 39 من هذا المرسوم  فإنه يمكن للمواطن  الذي رفضت الإدارة  طلبه بتسليم وثيقة أو معلومة  إدارية أن يقدم  طعن   أمام  نفس  الإدارة  التي صدر منها قرار الرفض .  يمكن كذلك  لهذا للمواطن تقديم طعن تدريجي  أي  رفع  شكوى  أمام السلطة الإدارية  التي تعلو مباشرة  الإدارة التي  أصدرت قرار رفض  الولوج إلى وثيقة  أو معلومة إدارية .  علاوة على ذلك فإن نفس المادة 39  تنص  أنه يمكن المواطن  أن يتبع جميع السبل  القانونية  في احتجاجه  على قرارات  و تصرفات الإدارة  و من ذلك المطالبة بالتعويض على الضرر إن اقتضى الأمر.

إن تطبيق أحكام   المادة  39 من  المرسوم المؤرخ في 4 جويلية 1988  التي تحيل  المواطن إلى رفع  دعوى قضائية ضد الإدارة  التي رفضت  تمكينه من معلومة أو وثيقة إدارية ممسوكة لديها ليس بالأمر الهين  إذ أنه إضافة إلى  المصاريف التي  يتحملها  من يلجأ إلى القضاء الإداري ( تسديد رسم رفع الدعوى، دفع أتعاب المحضر القضائي و تحمل أتعاب المحامي ) فإن نتيجة  الطعن القضائي غير مضمونة لا سيما إذا رفعت الدعوى أمام المحكمة الإدارية الابتدائية من طرف المواطن نفسه الذي كثيرا ما يجهل القواعد و  الإجراءات  الإدارية المعقدة و التي تتسم بشكلية مفرطة.  عمليا  تقع حالتين :  الحالة التي  يتم تبليغ المواطن كتابيا  بمقرر الإدارة التي رفضت ولوجه إلى وثيقة أو معلومة ، و الحالة  التي تلتزم فيها هذه الإدارة  الصمت  و لا تجيب  على طلب المواطن .  في الحالة الأولي فإن  الرفض الصادر عن الإدارة  يتخذ شكل إرسالية  مؤرخة و موقعة  من طرف مسئول هذه الإدارة مع عرضها لأسباب الرفض. في الحالة الثانية  فإن الرفض  يأخذ شكل   مقرر ضمني  عندما ينقضي  أجل معين  منذ استلام   الإدارة طلب المواطن  بتسليمه   وثيقة أو معلومة  . هذا الأجل   حددته المادة 830 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية   بشهرين. 

في الفرضية الأولى  التي بلغ المواطن كتابيا  بمقرر رفض   الإدارة  تسليمه    وثيقة أو معلمة إدارية  ، فإنه يجوز لهذا الأخير  رفع دعوى أمام المحكمة  الإدارية الابتدائية يكون موضوعها إبطال  مقرر الرفض مع  طلب إلزام  الإدارة  بتسليمه الوثيقة أو المعلومة الإدارية  و كذا إلزامها بالتعويض المناسب  جبرا للضرر . يجب في هذه الحالة  رفع  الدعوى في أجل شهرين يسري من تاريخ  تبليغ  مقرر الرفض الصادر عن الإدارة   و ذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى.   في الفرضية الثانية  التي لم يتلقى المواطن إجابة عن طلبه  بتسليمه وثيقة أو معلومة إدارية  و هذا ما قد  يشكل  خطأ جسيما  يترتب عليه تسليط عقوبات على الموظف  ،  فإنه يجب على المواطن انتظار  انقضاء مدة شهرين منذ  إيداع   طلبه  أمام الإدارة المعنية أو  إرساله لها عن طريق محضر قضائي أو رسالة مضمنة مع الإشعار بالاستلام  ، و بعد انقضاء هذا الأجل يمكنه حينئذ رفع  دعوى أمام المحكمة الإدارية الابتدائية  في أجل شهرين آخرين يسري من تاريخ انقضاء  الأجل الأول  و هذا عملا بالمادة 830  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  .

لا شك أن هذه الإجراءات جد معقدة  و تأخذ وقت طويل  لا سيما إذا قررت الإدارة المحكوم عليها بتسليم الوثيقة المطلوبة رفع  استئناف في الحكم الصادر ضدها أمام المحكمة الإدارية للاستئناف . يوجد إجراء  خاص يجيز القاضي الإداري  أمر الإدارة بتسليم وثيقة  أو معلومة ممسوكة لديها  في أجل جد قصير . لهذا الغرض  يجب رفع دعوى أمام القاضي الإداري عن طريق " الاستعجال - تدابير ضرورية  "  الذي يعرف كذلك باسم  " استعجال - اتصال " و هو الاستعجال  المنصوص عليه في المادة 921-1 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  المعدلة بموجب القانون   رقم 22-13 المؤرخ في  12 جويلية 2022 التي تنص : " في حالة الاستعجال القصوى  يجوز لقاضي الاستعجال  و لو في غياب القرار الإداري المسبق  أن  يأمر بكل التدابير الضرورية الأخرى دون عرقلة  تنفيذ أي قرار إداري ". هذا النص يجيز  القاضي الاستعجالي الإداري المرفوع أمامه الدعوى  من طرف المواطن الذي رفضت الإدارة تسليمه وثيقة أو معلومة إدارية أمر هذه الإدارة بتسليمه هذه الوثيقة أو المعلومة و هذا بعد إبطاله لمقررها الصريح أو الضمني  المتضمن رفض هذا التسليم   . هذا الإجراء  المعجل  الذي ترفع بموجبه دعوى أمام  القاضي الاستعجالي الإداري  يخضع لثلاثة شروط   : الإجراء المطلوب، أي  طلب إلزام الإدارة بتسليم وثيقة أو معلومة إدارية  يجب أن   يتسم بطابع الاستعجال القصوى أي الاستعجال الذي لا يقبل أي تأخير ،  أن يكون ضروريا  و أخيرا ألا  يصطدم  بمنازعة جدية  .  في هذا النوع من الاستعجال  فإن  عقد جلسة  علنية يكون اختياريا فقط كون إلزامية عقد جلسة علنية  تقتصر فقط على حالات الاستعجال المنصوص عليها في المادتين 919 و 920 من قانون الإجراءات المدنية و  الإدارية اللتان تلزمان  قاضي الاستعجال بتكملة التحقيق الكتابي بعقد جلسة علنية و هذا عملا بالمادة 929  من نفس القانون. 

في  مجال  الاستعجال الرامي إلى تسليم وثيقة إدارية  فإن الاستعجال القصوى يكون  واردا  إذا كان تسليم هذه الوثيقة  ضروريا لحماية حقوق المدعي . و يكون هذا الشرط قائما   إذا كانت حيازة هذه الوثيقة الإدارية  ضرورية  لرفع دعوى  قضائية قبل انقضاء  أجل  مثلا  ضرورة حيازة ملف إداري   كان مصدر اتخاذ القرار الإداري  كقرار  تسريح من العمل  أو  قرار رفض   اعتماد  فتح   صيدلية  أو منشأة . شرط الضرورة  يكون متوفرا  إذا كانت الوثيقة  الملتمس تسليمها  لازمة لقبول دعوى قضائية  أمام  المحكمة الإدارية  و مع ذلك  إذا كانت الدعوى قد طرحت  أمام هذه المحكمة و لم يفصل فيها بعد  فإن شرط الضرورة ينعدم  باعتبار أنه يجوز للمحكمة الإدارية  أن تأمر بإحضار هذه الوثيقة لضمها بالملف. 

 

الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى مجلس قضاء البويرة

brahimimohamed54@gmail.com