كثيرا ما تطرح أمام القاضي منازعات حول ملكية منقول أو عقار و يدفع كل واحد من المتخاصمين بملكيته لهذا المنقول أو العقار. إذا تعلق الأمر بعقار (قطعة أرضية ، مسكن ، محل ...) فقد يقع أن يقوم مالكه ببيعه لعدة مشترين.هذه الحالة للبيع المتتالي لنفس العقار من نفس البائع تقع مثلا في حالة ما قام مالك العقار ببيعه لشخص بعقد بيع كتابي و لو كان توثيقي و لكن دون شهره في المحافظة العقارية ، ثم يقوم لاحقا ببيع نفس العقار لشخص آخر بعقد توثيقي مشهر. كون البيع الأول تم بموجب عقد غير مشهر فإن هذا العقد بقي عقدا ناقصا لا ينقل الملكية أللمشتري كونه غير مشهر في السجل العقاري و هذا ما يمنح فرصة للبائع بإعادة بيع نفس العقار لشخص آخر دون أن يتفطن هذا الأخير بالبيع الأول. يمكن كذلك تصور قيام البائع ببيع عقار لمشتري أول بعقد محرر أمام موثق ثم يقوم ببيع نفس العقار لمشتري ثان بعقد محرر أمام موثق آخر ثم يقوم كلا الموثقين بإيداع عقدهما أمام المحافظة العقارية لمكان تواجد هذا العقار بغرض شهرهما فهنا كذلك سيطرح إشكال أولوية العقد الذي يجب شهره . كذلك قد يقوم مورث بنقل ملكية عقار لشخص قبل وفاته ، و بعد وفاة المورث تنتقل تركته بما فيه العقار المبيع ( الغير المشهر) إلى الوارث أو الورثة ثم يقوم الوارث ببيع نفس العقار الذي سبق أن باعه مورثه لمشتري آخر ، و حينئذ يقع تزاحم بين المشتري من المورث و المشتري من الوارث.
- Accueil
- Blog
المنازعات المتعلقة بالمنقولات و العقارات : حالة تزاحم المشترين لنفس العقار و المفاضلة بينهم
Par
mohamed brahimi
Le 25/04/2025
بسبب جهل القواعد المتميزة و المعقدة التي تحكم منظومة نقل الملكية لا سيما نقل ملكية عقار أو حق عيني عقاري ،فإنه كثيرا ما يسقط المواطن البسيط في فخ بعض المحتالين الذين يبيعون نفس العقار( عادة بناية معدة للسكن أو قطعة أرضية ) عدة مرات الشيء الذي ينتج عنه فقدان أحد المشترين للعقار الذي اشتراه و دفع كامل ثمنه ، و هذا ما ينشأ عادة نزاع قضائي بين هذا المشتري و البائع. عندئذ فإن فك مثل هذا النزاع يستدعي الفصل في مسألة تفضيل بيع على آخر بتطبيق القواعد التي نصت عليها بعض القوانين لا سيما أحكام القانون المدني و القانون رقم و 75-74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 المتضمن التوجيه العقاري. في بعض القضايا التي تثار فيها مسألة تفضيل مشتري عقار على أخر، فإن القاضي قد يوجد نفس أمام فراغ قانوني و هذا ما يدفعه إلى اللجوء إلى القضاء الذي ثبتته المحكمة العليا في هذا المجال .
بالنسبة لتنازع حقوق المشترين المتنافسين على نفس المنقول
المنازعات المنصبة على منقول لا تثير صعوبات بالنسبة لتنازع حقوق المالكين المتتاليين على نفس المنقول. حسب المادة 683 من القانون المدني فإن : " كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول " ، تعتبر إذا كمنقولات بطبيعتها الأشياء التي يمكن نقلها من مكان إلى آخر . و تعتبر منقولات على سبيل المثال المواد الإلكترونية ( أجهزة تلفيزيون ،الهواتف المنقولة، الحسوب ...)، الألبسة ، المواد الإلكترومنزلية ( ثلاجات ،غسالات ،أجهزة المطبخ ... )، الأثاث ( الفراش، الأريكات ،الطاولات ، الخزائن ، المنحوتات ... ) ، مواد التسلية ( كتب ، ألعاب اجتماعية ، عتاد الرياضة ...) ، مواد استهلاكية ( مواد غذائية ، أدوية ، مواد النظافة ...) ،الأجهزة الطبية. الحيوانات تعتبر من الناحية القانونية كمنقولات بطبيعتها.
القانون المدني الجزائري لم يتضمن نصوصا صريحة تعطي حلا لفرضية تنازع حقوق المشترين المتتاليين لنفس المنقول كما هو الشأن مثلا في القانون المدني الفرنسي الذي ينص في المادة 1198 أنه في حال تنازع مشترين متتاليين لنفس المنقول فإن الأولوية لمن سبق أن حاز هذا المنقول و لو كان حقه لاحقا و لكن على شرط أن يكون حسن النية.
رغم غياب نص مماثل في القانون المدني الجزائري فإن بعض النصوص التي وردت في هذا القانون في باب " تملك المنقول بالحيازة " توحي بأن المشرع الجزائري أقر هو كذلك نفس القواعد ، فطبقا للمادة 835 من القانون المدني : " من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على منقول فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته "، و حسب نفس النص فإن : " الحيازة في ذاتها قرينة على وجود السند الصحيح و حسن النية ما لم يقدم دليل على خلاف ذلك ".
بذلك فإن حيازة منقول يعتبر بالنسبة لحائزه كسند ملكية رغم أنه لا يملك أي وثيقة مكتوبة. و مع ذلك فإن هذه القاعدة تتطلب توفر بعض الشروط . يجب أولا أن يكون الحائز حسن النية منذ اكتساب المنقول ، و حسن النية تكون مفترضة طبقا للمادة 835 -1 من القانون المدني . ثانيا فإن القاعدة لا تطبق على بعض المنقولات التي لا تكون قابلة للحيازة على غرار الحصص الاجتماعية لشركة أو الديون أو الأملاك المنقولة التابعة للأملاك العمومية أو الأموال المنقولة التي تخضع للتسجيل كالمركبات . القاعدة لا تطبق كذلك في حالة ما كان المنقول قد سلمه مالكه لشخص ، و قام هذا الشخص ببيعه إذ لا يمكن لمن تسلم المنقول من يد مالكه أن يحتج بقاعدة المادة 835 من القانون المدني كونه ليس حائزا حقيقيا.
و حتى في حالة توفر شروط تطبيق قاعدة المادة 835 من القانون المدني، فإن هذه القاعدة لا تطبق على منقول مسروق أو مفقود .فعملا بأحكام المادة 836-1 من القانون المدني فإنه يجوز لمن فقد أو سرق منه المنقول أن يسترده ممن يكون حائزا له بحسن النية و ذلك في أجل 3 سنوات من وقت الضياع أو السرقة. طبعا فإن الشخص الذي يجوز مطالبته باسترداد المنقول المسروق أو المفقود في حدود مهلة 3 سنوات و لو كان حسن النية لا يمكن أن يكون السارق أو الشخص الذي عثر على المنقول الضائع لأنهما ليسا حسن النية . في مواجهة هذين الشخصين فإن أجل الاسترداد هو الأجل المقرر لسقوط كل الحقوق و الالتزامات و الدعاوى القضائية أي 15 سنة كونهما لا يستفيدان بقاعة المادة 835-1 من القانون المدني. كذلك فإن المادة 836-2 من القانون المدني تنص أن من اشترى بحسن النية الشيء الضائع أو المسروق فله أن يطالب مالك الشيء برد الثمن الذي دفعه إذا أراد هذا المالك استرداده. في هذه الحالات فإن المشتري ذو حسن النية يستفيد بدعوى الحجز طالما ثمن المنقول لم يسدد له من طرف المالك.من جهته يمكن للمالك طلب تعويض من بائع المنقول موضوع النزاع جبرا للأضرار التي لحقت به و ذلك عن طريق دعوى التعويض على أساس المسؤولية المدنية على شرط أن يثبت خطأ البائع.
طبقا لهذه القواعد المتعقلة بتملك المنقول عن طريق الحيازة ، فإنه في حالة التنازع على ملكية منقول بين مشترين متتاليين، فإنه ليس من الضروري أن يكون صاحب عقد البيع الأول من حيث التاريخ هو الذي يخرج منتصرا من هذا النزاع. المادة 835 من القانون المدني تفضل الشخص الذي سبق أن حاز الشيء المتنازع عليه.هذه القاعدة تجد مبرراتها القانونية في الأثر المكسب للحيازة الذي يسري فورا في مجال المنقولات. و هكذا ففي حال نشوء نزاع حول ملكية منقول اشتراه بالتتابع عدة مشترين ،فإن الأفضلية للمشتري الذي يحوز هذا المنقول. و لكن يجب أن تتوفر في هذه الحيازة بعض الشروط أولها أن يكون الحائز حسن النية ، و لكن كون حسن النية تكون دائما مفترضة في الحائز طبقا للمادة 835-3 من القانون المدني، فإنه يرجع لمن يطلب استرداد ملكية المنقول أن يثبت أن الحائز سيء النية.
بالنسبة لتنازع حقوق المشترين المتنافسين على نفس العقار
مبدئيا عندما يتم إبرام عقد بيع عقار ، فإنه لا يمكن للبائع بيعه لمشتري آخر. و لكن عمليا قد يقع أن يقوم البائع ببيع نفس العقار لمشتريين مختلفين . قد تقع مثلا الحالة التي يبرم فيها البائع عقد بيع مع مشتري و لو أمام موثق ، و قبل شهر هذا البيع بالمحافظة العقارية يقوم نفس البائع ببيع نفس العقار لشخص آخر . هذه الفرضية ممكنة لأن البيع الأول لم ينقل ملكية المبيع فالبطاقة العقارية المتعلقة بهذا العقار الممسوكة بالمحافظة العقارية لم تعدل لعدم إيداع عقد البيع الأول . كذلك قد يقوم مالك عقار بإبرام عقد وعد ببيع هذا العقار دون شهره ، ثم يقوم نفس المالك بإبرام عقد بيع بات لنفس العقار لشخص ثان . في هذه الحالات لمن تعطى الأفضلية إذا نشأ نزاع ، هل للموعود له الأول أو للمشتري الثاني ؟
للإجابة على هذه الأسئلة يجب الرجوع إلى النصوص القانونية التي تحكم عقود التنازل عن العقارات و إمكانية الاحتجاج بها بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير أي :
- المادة 793 من القانون مدني : " لا تنقل الملكية و الحقوق العينية الأخرى في العقارات سواء كان ذلك بين المتعاقدين أو في حق الغير إلا إذا رعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون و بالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار ".
- المادة 15 من الأمر رقم 75 - 74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقار : " كل حق للملكية و كل حق عيني آخر يتعلق بعقار لا وجود له بالنسبة للغير إلا من تاريخ يوم إشهارهما في مجموعة البطاقات العارية".
- المادة 16 من نفس الأمر رقم 75 – 74: " إن العقود الإرادية و الاتفاقات التي ترمي إلى إنشاء أو نقل أو تصريح أو تعديل أو انقضاء حق عيني لا يكون لها أثر حتى بين الأطراف إلا من تاريخ نشرها في مجموعة البطاقات العقارية ".
- المادة 29 من القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 المتضمن التوجيه العقاري: " يثبت الملكية الخاصة للأملاك العقارية و الحقوق العينية عقد رسمي يخضع لقواعد الإشهار العقاري ".
- المادة 86 المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري : " إن فسخ الحقوق العينية العقارية أو إبطالها أو إلغائها أو نقضها عندما ينتج أثرا رجعيا لا يحتج به على الخلف الخاص لصاحب الحق المهدر،إلا إذا كان الشرط الذي بمقتضاه حصل ذلك الفسخ أو الإبطال أو الإلغاء أو النقض قد تم شهره مسبقا أو كان هذا الفسخ أو الإبطال أو الإلغاء أو النقض قد تم بحكم القانون ، تطبيقا للقانون".
- المادة 87 من نفس المرسوم رقم 76-63 : " إن الخلف الخاص لصاحب حق عيني عقاري الذي أشهر العقد أو القرار القضائي الذي يثبت فيه حقه الخاص لا يمكنه الاعتراض على العقود بين الأحياء، و التي تم إعدادها بصفة مميزة من أجل إثبات شروط عدم قابلية التصرف المؤقت و جميع التقييدات الأخرى لحق التصرف، أو على القرارات القضائية المثبتة أو المطالبة القضائية التي ترمي إلى الحصول على القرارات المذكورة ، قد تم إشهارها مسبقا عن الإشهار المعطى لحقه الخاص ".
الملاحظ أن النص العربي للمادة 87 من المرسوم رقم 76-63 ورد في صيغة متشعبة و خاطئة خلافا للنص الفرنسي الوارد في النسخة المترجمة للجريدة الرسمية الذي جاء مطابقا لما أراده المشرع أي إعطاء الأولوية للخلف الخاص لصاحب حق عيني الذي أشهر عقده أو قراره القضائي الذي عاين حقه.
Article 87 « les ayants cause ,à titre prticulier, du titulaire d’un droit réel immobilier, qui ont publié l’acte ou la décision judiciaire constatant leur propre droit, ne peuvent se voir opposer les actes entre vifs dressés distinctement pour constater des clauses d’inaliénabilité temporaire et toutes autres restrictions au droit de disposer ,ou les décisions judiciaires constatant de telles clauses, lorsque lesdites décisions ont été publiés postérieurement à la publicité donnée à leur propre droit».
يستشف من كل هذه النصوص القانونية و التنظيمية أولا أن إجراء الشهر العقاري هو وحده الذي ينقل ملكية عقار او حق عينبي عقاري، و ذلك سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير . هذه القاعدة التي مفادها أن الملكية و الحقوق العينية الأخرى في العقارات لا تنقل سواء كان ذلك بين أطراف العقد أو في مواجهة الغير إلا إذا تم شهرها بالمحافظة العقاري كرستها و ثبتتها المحكمة العليا في عدة مناسبات لا سيما في القرارات الآتية ( قرارات منشورة في الموقع الرسمي للمحكمة العليا ) :
- قرار بتاريخ 17 ديسمبر 2015 ، ملف رقم 953558 (حيث أن المادة 793 من القانون المدني تنص على أنه : " لا تنقل الملكية والحقوق العينية الأخرى في العقار سواء كان ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار).
- قرار بتاريخ 15 نوفمبر 2018 ، ملف رقم 1155677 (تعد البيوع العقارية عقودا شكلية لا يعتد بها إلا إذا أفرغت في قالب رسمي مع مراعاة أحكام الشهر العقاري ).
- قرار بتاريخ 14 أبريل 2016 ، ملف رقم 968919 ( شهر العقد بالمحافظة العقارية شرط لنقل الملكية.)
- قرار بتاريخ 12 جانفي 2017 ، ملف رقم 1024885 ( الملكية العقارية لا تنتقل إلا بالسند الرسمي المشهر طبقا للقوانين السارية المفعول وخاصة المادة 324 مكرر1، 793 من القانون المدني، والمادة 16 من الأمر رقم 75 /74 المتعلق بالمسح الشامل وإعداد السجل العقاري).
- قرار بتاريخ 12 جانفي 2017 ، ملف رقم 1029948 ( التصرفات الواقعة على العقارات تنعقد بموجب عقود رسمية طبقا للمادة 324 مكرر1 من القانون المدني و انتقال الملكية لا يتم إلا بموجب الشهر طبقا للمادة 793 من القانون المذكور).
- قرار بتاريخ 16 جوان 2016 ، ملف رقم 988335 ( الملكية والحقوق العينية في العقار لا تنتقل إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة الشهر العقاري وفق ما تنص عليه المادة 793 من القانون المدني ، كما أن المادة 29 من قانون التوجيه العقاري تنص على أن الملكية العقارية والحقوق العينية لا تثبت إلا بعقد رسمي يخضع لقواعد الإشهار العقاري".
- قرار بتاريخ 21 سبتمبر ، ملف رقم 1005781 (إن المادة 793 من القانون المدني تشترط من أجل نقل الملكية في المادة العقارية إجراءات الشهر العقاري، و أن بيع العقار يجب أن يكرس بعقد رسمي مشهر في المحافظة العقارية ، و أن عقد البيع الرسمي وحده هو الذي يمنح صفة المالك لمشتري العقار).
ثانيا يستشف من هذه النصوص القانونية و اتنظيمية كذلك و هذا ما يهمنا في هذا العرض أنه كون يترتب على إغفال إجراء الشهر ألا تنشأ الحقوق العينية العقارية و لا تنقل و لا تزول و لا تتغير لا بين ذوي الشأن و لا بالنسبة للغير ، فإنه عند تزاحم المشترين على نفس العقار و كانوا قد اشتروه من مالكه فإن الأفضلية لمن يسبق منهم إلى شهر عقده بالمحافظة العقارية . فإذا لم يشهر المشتري عقد شرائه و تصرف البائع إلى شخص ثان شهر عقده ، خلصت للمشتري الثاني الملكية بمجرد هذا الشهر . إذا لفك تنازع الملكية بين المشترين لنفس العقار ، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار تاريخ شهر عقد البيع ، فالمشتري الأسبق في شهر عقده هو الذي يفوز في هذا النزاع.
اذا كانت هذه القاعدة مستخلصة ضمنيا من النصوص القانونية التي تجعل من الشهر العقاري الإجراء الوحيد لنقل ملكية عقار أو حق عيني عقاري ، فإن المادة 87 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري التي يجب قراءتها كما سلفنا على ضوء الصيغة الصحيحة الواردة في الترجمة باللغة الفرنسية فإنها تنص صراحة على أنه لا يجوز الاحتجاج ضد الخلف الخاص لصاحب حق عيني عقاري الذي أشهر العقد الذي ثبت فيه حقه الخاص و كان هذا الاحتجاج مرتكز على عقود أعدت لمعاينة شروط عدم قابلية التصرف المؤقت أو جميع التقييدات الأخرى لحق التصرف و كان شهر هذه العقود لاحق لشهر عقد الخلف الخاص. و أما المادة 86 من نفس المرسوم فإنها تنص على أنه في حالة ما نتج عن فسخ حقوق عينية عقارية أو إبطالها أو نقضها أثر رجعي فإنه لا يجوز الاحتجاج بهذا الأثر الرجعي على الخلف الخاص لصاحب الحق المهدر إلا في حالة ما إذا كان الذي بمقتضاه حصل ذلك الفسخ أو الإبطال أو الإلغاء أو النقض قد تم إشهاره مسبقا.
قضاء المحكمة العليا مستقر على تطبيق قاعدة أفضلية العقد المشهر على العقد غير المشهر . قضت المحكمة العليا أن التفضيل بين العقود الواردة على العقار يكون بالشهر طالما أن العقد ولو تم صحيحا طبقا لنص المادة 324 مكرر1 من القانون المدني لا ينتج أثره فيما يتعلق بنقل ملكية العقار إلا بالشهر ،ولا أثر له حتى بين المتعاقدين إذا لم يشهر طبقا لنص المادة 793 من القانون المدني و المادة 16 من الأمر رقم 75-74 الصادر بتاريخ 12 نوفمبر 1975 ( قرار بتاريخ 14 جويلية 2016 - ملف رقم 1090934 – قرار منشور بالموقع الرسمي للمحكمة العليا). قضت المحكمة العليا كذلك أن الأفضلية لعقد الهبة المشهر على حكم رسو المزاد على نفس العقار الذي لم يتم شهره ( قرار بتاريخ 11/01/2018 - ملف رقم 1033280 - قرار منشور بالموقع الرسمي للمحكمة العليا) ، و أن الأولوية تكون للعقد الإداري المشهر على الحكم القضائي غير المشهر عند المنازعة في الحقوق الواردة فيهما ( قرار بتاريخ 09 فيفري 2012 - ملف رقم 697874 – منشور بمجلة المحكمة العليا سنة 2012 - عدد 2- صفحة 376).
تطبيقا لقاعدة أفضلية العقد المشهر على العقد غير المشهر ، فإذا تزاحم المشترين لذات العقار و كانوا قد اشتروه من مالكه فإن الأفضلية لمن يسبق منهم إلى إشهار عقده. و إذا كان للمتزاحمين على نفس العقار عقد ملكية ، فإنه يرج من له عقد مشهر و لا يعتد في هذه الحالة بأسبقية تاريخ تحرير العقد ( قرار المحكمة العليا بتاريخ 19 مارس 2003- ملف رقم 243402- المجلة القضائية لسنة 2003 -عدد 2 - صفحة 231). كذلك إذا تصرف مالك العقار بالبيع و انتقلت ملكية هذا العقار للمشتري بعقد مشهر و كان قد أبرم وعد ببيع ذات العقار لشخص آخر بموجب عقد وعد بالبيع سابق ، فإن الأفضلية لمن حاز العقد المشهر ففي هذه الحالة لا يبقى للموعود له بالبيع سوى الرجوع ضد الواعد لمطالبته بتعويض ( قرر المحكمة العليا بتاريخ 24 جانفي 2007 - ملف رقم 352043- مجلة المحكمة العليا لسنة 2007 -عدد 2 - صفحة 141).
في حالة تزاحم سندات البيع لنفس العقار و كانت هذه السندات رسمية فلمن تكون الأفضلية ؟ كما سبق عرضه فإن القانون أوجب شهر جميع التصرفات المنشئة للحقوق العينية العقارية و يترتب على عدم الشهر ألا تنشا هذه الحقوق و لا تنتقل و لا تتغير و لا تزول لا بين الأطراف و لا بالنسبة للغير . و من الآثار المنطقية و القانونية للنصوص القانونية التي سبق ذكرها أن الأفضلية عند تزاحم المشترين في شأن عقار واحد تكون على أساس الأسبيقة في الشهر . في هذا السياق قضت المحكمة العليا أن الملكية تنتقل في حالة تصرف بائع في عقار مرتين بعقدين توثيقين إلى المشتري حائز العقد التوثيقي الأسبق في الشهر ( قرا بتارخ 11 جويلية 2013 ملف رقم 785784 - مجلة المحكمة العليا لسنة 2013 - عدد 2 - صفحة 341 ).
كون المشتري الثاني الذي سارع إلى شهر عقد البيع تعاقد مع المالك الحقيقي للعقار محل البيع ، و طالما أنه قد تعاقد مع مالك حقيقي لا يشوب سند ملكيته عيب يبطله، فإن هذا المشتري يستفيد بقاعدة الأسبقية في الشهر. و يكون كذلك و لو نسب إلى هذا المشتري الذي بادر بالشهر التدليس أو التواطؤ مع البائع لأن كل النصوص التي سبق ذكرها و التي تنص أن ملكية عقار لا تنتقل إلا بالشهر سواء بين ذوي الشأن أو بالنسبة للغير لم تتضمن نصا يستثني الشهر الذي تم عن طريق الغش أو التدليس. قضت محكمة النقض المصرية بشأن هذه المسألة ارتكازا على نصوص تنظيم الشهر العقاري المماثلة لتلك السارية في التشريع الجزائري أن: " مفاد نص المادة التاسعة من قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 أن الملكية لا تنتقل من البائع إلى المشترى إلا بالتسجيل ( بمعنى الشهر ) ، فإذا لم يسجل المشترى عقد شرائه و تصرف البائع إلى شخص آخر سجل عقده خلصت له الملكية بمجرد التسجيل و إذ جاء نص المادة التاسعة المشار إليه أسوة بنص المادة الأولى من قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 المقابل له خلواً بما يجيز إبطال الشهر إذا شابه تدليس أو تواطؤ فإن الملكية - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تنتقل بالتسجيل و لو نُسبَ إلى المشترى الذى بادر بالتسجيل التدليس أو التواطؤ مع البائع طالما أنه قد تعاقد مع مالك حقيقي لا يشوب سند ملكية عيب يبطله " ( قرار بتاريخ 26/04/1989 - طعن رقم 0664 لسنة 55 مكتب فنى 40 صفحة رقم 178).
بالنسبة للبائع الذي باع عقاره مرتين أو أكثر فأكيد أن ذلك لا يشكل جريمة النصب كون العقار بقي ملك للبائع لعدم شهر البيوع اللاحقة فعنصر الاحتيال الذي هو ركن أساسي في هذه الجريمة غير متوفر. قضت محكمة النقض المصري في هذا الصدد : " أنه لا عقاب على ما ينسب للشخص من أنه تصرف ببيع ما إن يملكه مرتين طالما أن البيع الأول الذي لم يسجل عقده لم يخرج الملك من يده قط و لأنه وقت حصول البيع الثاني كان القانون لا يزال يعتبره مالكا للعين المبينة فلا يعد تصرفه بالبيع نصبا يعاقب عليه ( طعن رقم 21914 – لسنة 64 قضائية ). ففي حالة البيع المتتالي فإنه يمكن فقط للمشتري الذي فقد المبيع مطالبة البائع بتعويض عن الإخلال بالتزامه بنقل ملكية هذا المبيع. قضت المحكمة العليا أن صب العقد بين طرفيه في الشكل الرسمي يرتب مجرد التزامات إلا أنه لا ينقل الملكية عملا بالمادة 793 من القانون المدني والمادة 16 من الأمر 75-74 لتخلف شرط الإشهار ( قرار بتاريخ 11 جويلية 2013 ملف رقم 1026247 - قرار منشور بالموقع الرسمي للمحكمة العليا ) و أن عقد المبادلة وإن كان عقدا رسميا ،إلا أنه غير مشهر وبالتالي فهو غير ناقل للملكية ولا يرتب إلا التزامات شخصية (قرار بتاريخ 13 أبريل 2017 ملف رقم 1044651 - قرار منشور بالموقع الرسمي للمحكمة العليا) .
في عقود بيع العقارات فإن البائع يلتزم بنقل ملكية المبيع للمشتري ، فإذا امتنع عن ذلك دون مبرر شرعي و رفض التعامل مع المشتري في إتمام إجراءات البيع يحق للمشتري رفع دعوى صحة التعاقد لإلزام البائع على تنفيذ إلتزامه بنقل ملكية المبيع. في الفرضية التي يكون فيها العقار المبيع قد خضع لعمليات مسح الأراضي و كان محل ترقيم عقاري فإن عريضة افتتاح الدعوى التي يرفعها المشتري ضد البائع يجب تحت طائلة عدم قبول الدعوى أن تشهر بالمحافظة العقارية ، و ذلك طبقا للمادتين 17-3 و 519 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 ماس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري . هدف شهر عرضية افتتاح الدعوى هو قبل كل شيء إعلام الغير بوجود تزاغ قضائي حول العقار المعني. فلو قبل شخص آخر شراء نفس العقار من يد نفس البائع و وقع ذلك بعقد تم شهره فما هو مآل عقد البيع الأول الغير المشهر في افتراض أن الدعوى التي رفعها المشتري الأول أسفرت عن صدور حكم نهائي قضى بإلزام البائع بإتمام إجراءات البيع مع المشتري الأول؟ بعبارات أخرى ما هو معيار الأسبقية في الشهر في هذه الحالة هل هو تاريخ شهر عقد البيع المبرم مع المشتري الثاني أم هو تاريخ شهر الحكم النهائي الذي تحصل عليه المشتري الأول الذي ثبت في حقه صحة البيع و أمر بإتمام إجراءات البيع ؟
هذه الفرضية عالجنها محكمة النقض المصرية في قرار مؤرخ في 8 افريل 2006 طعن رقم 3165 إذ قضت أن : " المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن تسجيل صحيفة الدعوى التي يرفعها المشتري على البائع لإثبات صحة التعاقد الحاصل بينهم على بيع عقار تم التأشير بمنطوق الحكم الصادر بصحة التعاقد على هامش تصدير الصحيفة من شأنه أن يجعل حق المشتري حجة على كل من ترتبت لهم حقوق عينية على العقار ابتداء من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى ، و أن تسجيل الحكم يحدث نفس الأثر من حيث الاحتجاج على من ترتبت لهم حقوق عينية على العقار ، فيرتد هذا التسجيل من تاريخ تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد ". تبعا لذلك فإن الحقوق التي يكتسبها الغير على العقار ما بين نسجيل صحيفة دعوى صحة العقد و تسجيل الحكم الصادر فيها لا يحتج بها ضد المشتري الأول سواء كان عقد المشتري الثاني قد تم شهره أم لا و ذلك لثبوت سوء نية التصرف له.
هذه القاعدة التي كرستها محكمة النقض المصرية تجد مبرراتها كذلك في نص المادة 17 من قانون تنظيم الشهر العقاري المصري التي تنص : " يترتب على تسجيل الدعاوى أو التأشير بها أن حق المدعي إذا كان تقرر بحكم مؤشر به طبقا للقانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل الدعاوى أو التأشير عليها ". رغم أن التشريع الجزائري لا يتضمن نصا مماثلا يقر صراحة تفضيل المتصرف له الأول في حالة ما أشهر عريضة افتتاح دعوى صحة التعاقد ، فإن اعتقادنا أن هذه القاعدة التي كرستها محكمة النقض لمصرية لا تتعارض مع تشريعنا من جهة لأن القانون يفرض إجراء شهر عريضة افتتاح الدعوى في الدعاوى الرامية إلى منازعة العقود المشهرة و من جهة أخرى فإنه من غير المستقيم أن تعطى الأولوية للمتصرف إليه الثاني الذي ثبتت سوء نيته كونه كان يعلم أن المبيع كان محل دعوى قضائية خضعت عريضة افتتاحها للشهر فهو غير أهل للحماية. طبعا إذا تعاقد المشتري الثاني مع نفس البائع دون علمه بالبيع الأول و قبل شهر عريضة افتتاح دعوى صحة التعاقد الأول فيكون قد تعاقد بحسن النية و من ثمة فإن الأولوية لعقده و يبقي فقط على المتصرف له الأول الرجوع ضد البائع بدعوى التعويض.
في حالة بيع عقار من أكثر من بائع ، فكيف تتم المفاضلة بين المشترين ؟ القانون و القضاء الوطنيين لم يقدما حلا لهذه الفرضية و مع ذلك الفقه و القضاء المقارن في البلدان االتي تأخذ بنظام الشهر العيني أو العقاري متفقان على أن قاعدة الأسبقية في الشهر لا تطبق في حالة تعدد البائعين لنفس العقار. قضت محكمة النقض المصرية في هذا الشأن أنه: " إذا اختلف البائعون إلى المشترين المتزاحمين فإنه لا يكون هناك محل لإعمال قاعدة الأسبقية في التسجيل ( في الشهر) إنما تكون العبرة بتحديد المالك الحقيقي من بين البائعين المتعددين للمبيع إذ يصح العقد الصادر منه و تهدر باقي العقود لعدم نفاذها في حقه و حق المشتري منه ، إذ أن التسجيل وحده لا يكفي لنقل الملكية إنما شرط ذلك أن يكون البائع مالكا للعين المبيعة و من ثم يفضل المشتري من المالك على المشتري من غير المالك و لو كان الأول لاحقا في التسجيل أو لم يسجل عقده أصلا " ( حكم محكمة النقض المصرية بتاريخ 20/04/2000 - طعن رقم 156 ).
قد تقع كذلك بعض الحالات الخاصة كحالة بيع نفس العقار إلى عدة مشترين بعقود غير مشهرة ، أو بيع عقار بعقد مشهر فيما أن ذات العقار يحوزه شخص كسبه بموجب عقد قديم حرر قبل صدور قانون التوثيق المؤرخ في 15 ديسمبر 1975 الذي فرض شهر عقود التصرف في العقارات أو عقد صدر قبل الاستقلال على غرار العقد الشرعي المحرر من طرف قاضي شرعي.
الحالة الأولى لا تثير إشكال ، فإذا كان العقدين المتتاليين المنصبين على نفس العقار غير مشهرين فإن الأفضلية للمشتري الذي كسب العقار قبل الآخر أي أن الأسبقية للتاريخ الذي حرر فيه العقد على شرط أن يكون هذا التاريخ ثابت. إذا تعلق الأمر بعقد حرره موثق أو موظف عمومي فإن تاريخه يعتبر ثابت بقوة القانون. و أما إذا تعلق الأمر بعقد عرفي فإن ثبوت تاريخه يكون حسب المادة 328 من القانون المدني من يوم تسجيله أو من يوم ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عمومي أو من يوم التأشير عليه على يد ضابط عمومي مختص أو من يوم وفاة أحد الذين لهم على العقد خط و إمضاء.
قد يقع أن يحتج كلا المشترين المتتالين لنفس العقار بملكيتهما له الأول بعقد رسمي مشهر و الثاني بعقد غير مشهر و يكون هذا العقد الأخير قد صدر قبل فرض إجراء الشهر بموجب قانون التوثيق المؤرخ في 15 ديسمبر 1975 أو كذلك إذا صدر هذا العقد قبل الاستقلال و كان هذا العقار في حيازة أحدهما حيازة شملها التقادم المكسب. هذه الفرضية المعقدة تستوجب أولا التطرق إلى إشكالية حجية العقود القديمة لا سيما تلك المبرمة قبل الاستقلال و ثانيا حل مسألة اكتساب العقارات عن طريق الحيازة و التقادم المسب في مواجهة عقد رسمي سواء أكان عقد مشهر أم غير مشهر.
الصعوبة التي تثيرها طبيعة العقود الصادرة قبل الاستقلال تكمن في أن هذه العقود وعلى الرغم من أنها تتعلق بعقارات أو بحقوق عينية عقارية فإنها محررة إما على شكل عقود عرفية أي موقعة فقط من الأطراف دون تدخل ممثل السلطة العمومية ( موثق أو غيره) و إما محررة من طرف أعوان أو سلطات عمومية القائمة آنذاك التي لم يبقى لها وجود كقضاة المحاكم الشرعية أو الباش عادل التابعين للمحاكم القديمة أو كذلك المحررة من طرف قدماء الموثقين.
منذ صدور الأمر رقم 70-91 المؤرخ 15 ديسمبر 1970 المتضمن تنظيم التوثيق وأكثر من ذلك منذ صدور الأمر رقم 75-58 المؤرخ 29 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني، فإن العقد الناقل لملكية عقار أو حق عيني عقاري يجب كما سبق عرضه أن يحرر أمام موثق و يكون مسجل و مشهر في المحافظة العقارية.
ما هي طبيعة العقود الناقلة للعقارات و للحقوق العينية العقارية المحررة قبل 15 ديسمبر 1970 ؟ هل هي عقود لا يجوز الاحتجاج بها في مواجهة الغير إذا كانت محررة في شكل عقود عرفية أو كانت صادرة عن السلطات العمومية التابع للمحاكم الشرعية القديمة ؟ العقود المحررة قبل الاستقلال كانت تخضع للتشريع الفرنسي و هذا التشريع تم تمديده باستثناء نصوصه التي تعارض السيادة الوطنية و هذا طبقا لأحكام القانون رقم 62-157 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962. المبدأ إذا أن العقود الناقلة للملكية العقارية التي حررت في إطار التشريع القديم تكون صحيحة تنتج كل آثارها إذا احتج بها في الخصومات القائمة بعد الاستقلال.
موقف الجهات القضائية الدنيا من مسألة القيمة القانونية لهذه العقود المحررة قبل 15 ديسمبر 1970 و من حجيتها كان مترددا ومتناقضا. بعض الجهات القضائية رفضت دون تمييز الاعتراف لهذه العقود المنصبة على العقارات قوة ثبوتية واستبعدتها على أساس أنه كان على أصحابها تحديث و تحيين هذه العقود لتتماشى مع التشريع الجديد والوضع الجديد للعقارات المعنية. بالعكس فإن جهات قضائية أخرى قبلت مثل هذه العقود لا سيما تلك المحررة بمعي من سلطة عمومية و اعترفت لها بحجية بسبب أنه بتاريخ تحريرها كانت مطابقة للقانون الساري المفعول آنذاك ، و أنه في كل الأحوال فإن التشريع الجزائري الحديث (الأمر رقم 70-90 المؤرخ 15 ديسمبر 1970 المتضمن تنظيم التوثيق والأمر رقم 75-58 المؤرخ 29 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني) الذي يخضع عقود نقل ملكية العقارية للشكل الرسمي ليس له أثر رجعي. لم يستقر الأمر بشأن هذه المسألة إلا بعد تدخل المحكمة العليا.
استقر حاليا قضاء كل من المحكمة العليا و مجلس الدولة على أن العقود المتضمنة نقل ملكية عقار أو حق عيني عقاري المحررة قبل 15 ديسمبر 1970 بما فيها المحررة قبل الاستقلال أمام قضاة المحاكم الشرعية أو الباش عادل التابع للمحاكم القديمة أو العقود المحررة أمام قدماء الموثقين لهم حجية العقد الرسمي و لو في مواجهة الغير.
وهكذا قضت المحكمة العليا بأن عقد نقل ملكية قطعة أرضية المحرر بتاريخ 24 فيفري 1942 من طرف قاضي المحكمة الشرعية هو عقد صحيح و رسمي ( قرار بتاريخ 25 فيفري 2004 - ملف رقم 264528 - المجلة القضائية لسنة 2004 ، عدد1 ، ص. 235) ، و أن العقود التي يحررها القضاة الشرعيون تكتسي نفس طابع الرسمية التي تكنسيها العقود المحررة من طرف الأعوان العموميون ( قرار بتاريخ 06 مارس 1989 - ملف رقم 40097 - المجلة القضائية لسنة 1992 ، عدد 1 ، ص. 119) ، و أن عقد الحجز المحرر من قبل القاضي الشرعي يعتبر وقت تحريره سندا رسميا للملكية ( قرار بتاريخ 17 ديسمبر 2008- ملف رقم 487496 - مجلة المحكمة العليا لسنة 2008 ، عدد 2 ، ص.285).
بالنسبة للعقود العرفية الثابتة التاريخ الناقلة للملكية العقارية المحررة قبل الاستقلال وقبل صدور الأمر رقم 70-91 المؤرخ 15 ديسمبر 1970 المتضمن تنظيم التوثيق فلها قيمة قانونية و حجية وتحوز القوة الثبوتية حتى و إن لم تخضع للتسجيل و الشهر . هذا ما قضت به المحكمة العليا بالنسبة لبيوعات انصبت على عقارات تمت بموجب عقود عرفية في سنوات ما بين 1959 و 1969 ، إذ أضفت الصبغة الرسمية و الثبوتية لهذه العقود العرفية على أساس أنه في التشريع القديم كان يجوز بيع العقارات بموجب عقود عرفية ، و أنه في كل الأحوال فإن هذه العقود صحيحة حتى و إن لم يتم تسجيلها أو شهرها ( قرار بتاريخ 09 جوان 1982 - ملف رقم 24573 - المجلة القضائية لسنة 1982 ، عدد خاص ، ص.147 ؛ قرار بتاريخ 12 أبريل 2006 - ملف رقم 348178 - مجلة المحكمة العليا لسنة 2006،عدد 1، ص.435 ؛ قرار بتاريخ 14 أبريل 2020 - ملف رقم 614074 - مجلة المحكمة العليا لسنة 2012،عدد 1، ص.163 ). بالعكس فإن العقود العرفية المتضمنة نقل ملكية عقار أو حق عيني عقاري المحررة بعد صدور قانون التوثيق أي بعد 15 ديسمبر 1970 فإنها عقود باطلة بطلانا مطلقا فلا حجية لها لا بين الأطراف و لا بالنسبة للغير ( قرار بتاريخ 07 جويلية 1982- ملف رقم 25699 - نشرة القضاة لسنة 1982 ، عدد خاص ، ص. 171 ؛ قرار بتاريخ 19 مارس 2003- ملف رقم 246799 - المجلة القضائية لسنة 2004 ، عدد 1 ، ص. 209).
يستشف من هذا القضاء الذي كرسته المحكمة العليا أنه في حالة تزاحم مشترين على نفس العقار و كان للأول عقد غير مشهر و لكن محرر قبل صدور الأمر رقم 70-91 المؤرخ 15 ديسمبر 1970 أو قبل الاستقلال و كان للمشتري الثاني عقد لاحق مشهر فإن الأفضلية تؤول لصاحب العقد الأول كون هذا العقد له حجية بالنسبة للغير مثله مثل العقد المشهر فالعبرة في هذه الحالة هو أسبقية تاريخ العقد . و لكن إذا كان مشتري العقار الثاني له عقد مشهر و كان في نفس الوقت حائزا لهذا العقار حيازة أدت إلى التقادم المكسب ، فهل يجوز لصاحب العقد الأول المحرر قبل الاستقلال أو قبل صدور الأمر رقم 70-91 المؤرخ 15 ديسمبر الاحتجاج به لطلب استرداد العقار من يد حائزه ؟ هذه الدعوى تكون في رأينا غير مقبولة لأنه من حق صاحب العقد الثاني المشهر أن يحتج كذلك بالتقادم المكسب في مواجهة صاحب العقد السابق في التاريخ الغير المشهر و لو كان هذا العقد صحيح و له حجية بالنسبة للغير و ذلك لأن التقادم المكسب هو سبب من أسباب كسب الملكية العقارية.
ما هو الحل في حالة تزاحم مشترين على عقار و كان للمشتري الأول إما عقد عرفي و إما عقد قديم له حجية بالنسبة للغير صدر قبل الأمر رقم 70-91 المؤرخ 15 ديسمبر 1970 أو قبل الاستقلال و كان هو من يحوز العقار حيازة أدت إلى التقادم المكسب و كان للثاني دفتر عقاري بعد أن خضع هذا العقار لعمليات مسح الأراضي، فهل يجوز للمشتري الثاني صاحب الدفتر العقاري أن يرفع دعوى استرداد العقار من يد المشتري الأول ؟ و ما هو مآل مثل هذه الدعوى ؟هل تعطى الأفضلية للمشتري الأول كونه كسب العقار كذلك بالتقادم المكسب أو للمشتري الثاني الذي له دفتر عقاري ؟ نعتقد أنه يجوز لمن يحوز عقار حيازة أدت إلى اكتسابه بالتقادم المكسب و بالخصوص إذا كانت هذه الحيازة مستندة في نفس الوقت على عقد قديم صدر قبل الأمر رقم 70-91 المؤرخ 15 ديسمبر 1970 أو قبل الاستقلال و متى توفرت كل شروط هذه الحياة أن يدفع بالتقادم المكسب و لو في مواجهة من له دفتر عقاري على نفس العقار. هذا الاتجاه أقرته المحكمة العليا في قرار مؤرخ في 16 جويلية 2008 ملف رقم 423932 (قرار منشور بمجلة المحكمة العليا لسنة 2010 - عدد 3 - ص.274 ) ، و لكن فيما بعد تراجعت المحكمة العليا عن هذا القضاء إذ اعتبرت أنه يمنع توفر العقار على دفتر عقاري من اكتسابه بالتقادم (قرار بتاريخ 14 جانفي 2021 - ملف رقم 1206937 - قرار منشور بالموقع الرسمي للمحكمة العليا).
براهيمي محمد
محامي بمجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54@gmail.com