يجب التمييز بين التحكيم التجاري الدولي والتحكيم في القانون الدولي العام، فهذا الأخير يخص تسوية الخلافات بين الدول كالخلافات حول الحدود البرية أو البحرية، أو كذلك الخلافات التي من شأن استمرارها أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر (م.33 من ميثاق الأمم المتحدة). وهذا التحكيم يخضع أساسا لاتفاقية لاهاي المؤرخة في 18 أكتوبر 1907 الخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية.
تطرق قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى التحكيم التجاري الدولي في المولد من 1039 إلى 1061.سنتطرق بالتوالي إلى الأحكام الخاصة التي تسري على التحكيم التجاري الدولي (الفصل للأول)، ثم إلى تنظيمه (الفصل الثاني)، وأخيرا إلى الاعتراف بأحكام التحكيم الدولية وتنفيذها الجبري وطرق الطعن فيها (الفصل الثالث).
I - الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي
جاء في المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه يعد التحكيم دوليا: "التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل". هذا التعريف يختلف عن التعريف الذي ورد في المادة 458 مكرر من قانون الإجراءات المدنية القديم التي هذا نصها: "يعتبر دوليا... التحكيم الذي يفض النزاعات المتعلقة بالمصالح التجارية الدولية والذي يكون فيه مقر أو موطن أحد الطرفين على الأقل في الخارج". تكييف التحكيم هل هو دوليا أم داخليا لا يتوقف على إرادة الأطراف، ولكن يحدد بطابع العلاقات الاقتصادية التي كانت مصدر النزاع.
المعيار الذي أقره قانون الإجراءات المدنية والإدارية يثير تساؤلات من حيث الدافع الذي جعل المشرع يتخلى عن المعيار القديم الذي يؤدي في نظرنا المعنى الصحيح للتحكيم التجاري الدولي رغم تضييق مجال تطبيقه. حتى وإن ذهب البعض إلى أن الدافع من الصيغة الجديدة هو توسيع معيار التحكيم التجاري الدولي، وهذا صحيح بالنظر إلى الأحكام الأخرى التي تضمنها قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنه كان من المستحسن إقرار المعيار الحديث أي المعيار الاقتصادي المحض دون ربطه بأي قيد. وأما الإشارة إلى "النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين" ففضلا على أنها عبارة لها طابع قانوني وسياسي أكثر منها اقتصادي، فإنها قد تفسر على أن الأمر يتعلق بالنزاعات الاقتصادية بين دولتين مباشرة، مع العلم أنه من وجهة القانون الدقيق يجب التمييز بين الدولة كهيكل إداري مستقل له شخصيته المعنوية وباقي الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين الذين يمكنهم اللجوء إلى التحكيم الدولي. وقد لجأ المشرع نفسه إلى هذا التمييز عند تطرقه للاشحاص الذين يمكنهم اللجوء إلى التحكيم الداخلي إذ نص في المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يجوز للأشخاص المعنويين العامة أن تطلب التحكيم ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية. هذا وأن مصطلح "اقتصادي" قد يقصي العمليات المالية كتحويل النقود أو العملات الصعبة عبر الحدود والتي أصبحت تأخذ أهمية بالغة في الاقتصاد الحديث.
ومع ذلك يجب قراءة المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على ضوء باقي القواعد التي أقرها هذا القانون في مجال التحكيم الدولي، إذ أن النظام الجديد أقترب أكثر مما كان عليه سابقا من النظام الساري في الدول المتقدمة، فجاء أكثر تطابقا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية وبالتحكيم الدولي لا سيما اتفاقية نيويورك لعام 1958 المتعلقة بالاعتراف تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. حينئذ يمكن القول أن ما قصده المشرع من "النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين" هي كل النزاعات ذات الطابع الاقتصادي أو المالي سواء أكانت هذه النزاعات تخص دولتين بهذه الصفة أم تخص أشخاص معنوية (خاصة أم عامة) أو أشخاص طبيعية منتمين لهتين الدولتين (م.1006 ق.إ.م.إ.).
لتحريك اختصاص محكمة التحكيم الدولية، لا يكفي أن يكون النزاع دوليا ومتعلقا بمصالح اقتصادية، ولكن يجب كذلك أن يكون النزاع قابلا للتحكيم. مبدئيا فإن الحقوق المالية دون الحقوق غير المالية تكون وحدها قابلة للتحكيم الدولي، وهذا منطقي لأن التحكيم يتعلق بمصالح تجارية دولية. ونصت المادة 461 من القانون المدني أنه يمنع الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، وهذا المنع يطبق كذلك على التحكيم الدولي. وحتى إذا تعلق الأمر بحقوق مالية فإنها قد لا تكون قابلة للتحكيم الدولي إذا كانت هذه الحقوق تدرج فيما يسمى "بالحقوق المالية الحساسة" (قانون العمل، قانون المنافسة، قانون براءات الاختراع والعلامات، قانون الإفلاس...).
1- مصادر التحكيم التجاري الدولي
مصادر التحكيم التجاري الدولي نوعان: مصادر ذات الأصل العمومي، والمصادر ذات الأصل الخاص. المصادر ذات الأصل العمومي تنقسم بدورها إلى قسمين: المصادر الداخلية المتمثلة في القوانين التي تتخذها الدولة في مجال التحكيم وبالنسبة للجزائر المواد من 1039 إلى 1061 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والمصادر الدولية المتمثلة أساسا في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم. وقد تكون هذه الاتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، وهي كثيرة أهمها البروتوكول الخاص بأحكام المحكمين الموقع بجينيف في 24 سبتمبر 1923، والاتفاقية الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب الموقعة في جينيف في 26 سبتمبر 1927، والاتفاقية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة في نيويورك في 10 يونيو 1958 التي وقع عليها عدد كبير من الدول من بينها الجزائر.
وإما المصادر ذات الأصل الخاص،فإنها من إنشاء الممارسين التجاريين الدوليين خارج إطار الدولة. ونذكر منها على الخصوص الاتفاقيات النموذجية للتحكيم les conventions d’arbitrage-type المحررة من طرف مراكز التحكيم، وتنظيمات مؤسسات التحكيم الدائمة règlements d’arbitrage des institutions permanentes كتنظيم المركز الدولي للتحكيم لدى الغرفة التجارية الدولية. ومن أهم هذه المصادر كذلك القضاء التحكيمي المتمثل في أحكام التحكيم الصادرة في النزاعات التجارية الدولية.
2- شروط صحة اتفاقية التحكيم
يجب من حيث الشكل أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة أو بأي وسيلة اتصال أخرى تجيز الاثبات بالكتابة، وهذا الشرط أقرته المادة 1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت طائلة البطلان. الدافع هنا كذلك في اشتراط الكتابة هو تفادي وقوع الشك أو الغموض في وجود اتفاقية التحكيم.
وكما سبق شرحه، فإن النزاعات التي يمكن أن تكون محل تحكيم دولي هي النزاعات الاقتصادية. وهذه النزاعات حسب المادة 1040 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد تكون نزاعات قائمة أو مستقبلية، بمعنى أن الأمر قد يتعلق إما باتفاق التحكيم وإما بشرط التحكيم. إذا كان اتفاق التحكيم compromis يعد من قبل الأطراف الموقعين على العقد التجاري الدولي الأصلي بعد نشوء النزاع، فإن الاتفاق على التحكيم غالبا ما يدرج في العقد الأصلي في شكل شرط التحكيم clause compromissoire. وبموجب هذا الشرط، فإن الأطراف يلتزمون بعرض نزاعاتهم المحتملة والمستقبلية الناتجة عن تنفيذ أو تفسير العقد التجاري الأصلي على التحكيم الدولي. وحتى وإن أدرج في العقد الدولي، فإن شرط التحكيم يتمتع باستقلالية ذاتية ولذك أوجب القانون صراحة الشكل الكتابي.
وأما بالنسبة للشروط الموضوعية، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية يعتبرها مجتمعة، ومن ثمة تكون اتفاقية التحكيم صحيحة، إذا كانت هذه الأخيرة مطابقة للقواعد التي يضعها القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره أو القانون المنظم لموضوع النزاع أو القانون الذي يراه المحكم ملائما (م.1040 ف.3 ق.إ.م.إ.). القانون الجزائري يترك إذا للأطراف الحرية الكاملة لاختيار القواعد التي تخضع لها اتفاقية التحكيم آخذا بذلك بمبدأ استقلالية إرادة المتعاقدين.
بتوقيعهم على اتفاقية التحكيم فإنه يمكن للأطراف اللجوء إما للتحكيم الحر arbitrage ad hoc وإما إلى التحكيم المؤسسي arbitrage institutionnel. التحكيم الحر أو الخاص يتمثل في احتفاظ الأطراف بسلطة إنشاء وتنظيم هيئة التحكيم التي ستكلف بالفصل في النزاع، وكذا الاحتفاظ بصلاحية تحديد طرق وإجراءات التداول وتنفيذ حكم التحكيم. ويبقى التحكيم خاصا حتى ولم تم الاتفاق على تطبيق إجراءات وقواعد منظمة تحكيمية معينة ما دام أن التحكيم يتم خارج إطار هذه المنظمة. وأما التحكيم المؤسسي أو النظامي، فإنه يجري حسب الإجراءات والقواعد الخاصة بالمؤسسة التحكيمية التي يختارها الأطراف، فتصبح هذه الأخيرة هي المنظمة والمشرفة على عملية التحكيم مقابل رسوم وأتعاب محددة سلفا يدفعها لها الأطراف.
II - تنظيم التحكيم الدولي
1- تعيين المحكمين
1-1- تشكيل محكمة التحكيم
قد تتشكل محكمة التحكيم الدولية من محكم فرد أو من عدة محكمين. ولكن ونظرا لأهمية موضوعات النزاع،فإن الأطراف يفضلون عادة التشكيلة الجماعية التي تمكن كل واحد منهم من تعيين محكم.
يجب طبعا أن يكون المحكمين ذوي مؤهلات في مجال القانون المطبق على النزاع. ولتفادي تضارب المصالح يجب ألا يكون للمحكمين علاقات اقتصادية أو علاقات مصالح مباشرة أو بواسطة شخص آخر مع طرف من الأطراف.
2-1- إجراءات تعيين المحكمين
يخضع إجراء تعيين المحكمين مبدئيا إلى أطراف الاتفاقية التجارية، وهذا التعيين قد يتخذ شكلين مختلفين: فإما أن يقوم الأطراف مباشرة بتعيين المحكمين (I) و إما يلجئون لهذا الغرض إلى نظام تحكيمي (II).
1-2-1 التعيين المباشر للمحكمين الدوليين
قد يتفق الأطراف في اتفاقية التحكيم أو في شرط التحكيم على تعيين محكم وحيد أو عدة محكمين. وإذا كان نظام المحكم الوحيد يخفف تكاليف التحكيم ومن شأنه الإسراع في فك النزاع مقارنة مع التشكيلة الجماعية، فإنه له مساوئ من أنهيطرح مسألة حياد المحكموانفراده بالرأي. وأما التشكيلة الجماعية فمن محاسنها أنها تضمن اتخاذ القرار بعد تبادل الآراءبينالمحكمين ومناقشة كل المسائل التي يثيرها النزاع.
المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تترك للأطراف الحرية الكاملة في تعيين المحكمين، كما تجيز لهم تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم أو استبدالهم. يمكن إذا للأطراف تعيين المحكمين مسبقا في شرط التحكيم، كما يمكنهم طبعا أن يتفقوا في العقد التجاري نفسه على عرض النزاعات التي قد تنشأ عن التنفيذ على محكمين.
قد يقع أن ينشأ خلاف حول تشكيل أو تسيير محكمة التحكيم. في هذه الحالة فإن المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حددت الإجراءات التي يجب إتباعها لحل هذا الخلاف. يجب على من يهمه التعجيل رفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، إذا كان التحكيم يجري في الجزائر. وأما إذا كان يجري التحكيم في الخارج واختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر، فإن الأمر يرفع لرئيس محكمة مدينة الجزائر. وفي حالة عدم تحديد الجهة القضائية المختصة في اتفاقية التحكيم فإن الاختصاص يؤول للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ (م.1042 ق.إ.م.إ.).
تدخل رئيس المحكمة المنصوص عليه في المادة1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يخص فقط التحكيم الحر l’arbitrage ad hoc، أي عندما يرجع للأطراف أنفسهم تشكيل وتنظيم محكمة التحكيم. لا يجوز للقاضي التدخل إذا اختار الأطراف في اتفاقيتهم التحكيم المؤسسي أي اللجوء إلى نظام تحكيمي خاص بمؤسسة تحكيمية دائمة لتعيين المحكمين الدوليين.
2-2-1- تعيين المحكمين بالرجوع إلى نظام التحكيم
قد يتفق الأطراف المتعاقدين في الاتفاقية التجارية أو في شرط التحكيم على أن تعيين المحكمين يتم حسب نظام التحكيم الخاص المطبق من قبل مؤسسة تحكيمية دولية دائمة كنظام التحكيم للغرفة التجارية الدولية بباريس، أو المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بواشنطن أو كذلك نظام التحكيم للغرفة التجارية الفرنسية - العربية (م.1041 ق.إ.م.إ.). ومع ذلك يجوز للأطراف توظيف محكمين خارج القوائم المعدة من طرف هذه المؤسسات إذ أن هذه الأخيرة لا تبادر في تعيين المحكمين التابعين لها إلا في غياب اتفاق بين الأطراف حول هذا التعيين.
2- الخصومة التحكيمية
1-2- القانون المطبق على إجراءات التحكيم وعلى موضوع النزاع
فور رفع دعوى التحكيم أمام المحكم أو المحكمين المعينين في الاتفاقية، أو عند مباشرة إجراءات تشكيل محكمة التحكيم فنكون أمام خصومة تحكيمية. فتطرح عندئذ مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات وعلى موضوع النزاع.
1-1-2- القانون الواجب التطبيق على الإجراءات التحكيمية
عملا بالمادة 1043: "يمكن أن تضبط في اتفاقية التحكيم، الإجراءات الواجب إتباعها في الخصومة مباشرة أو استنادا على نظام تحكيم، كما يمكن إخضاع هذه الإجراءات إلى قانون الإجراءات الذي يحدده الأطراف في اتفاقية التحكيم. وإذا لم تنص الاتفاقية على ذلك، تتولى محكمة التحكيم ضبط الإجراءات، عند الحاجة، مباشرة أو استنادا إلى قانون أو نظام تحكيم". القانون الإجرائي المطبق هو إذا مبدئيا القانون الذي يختاره الأطراف، وفي غياب اتفاق بين الأطراف، فإنه يرجع لمحكمة التحكيم تحديده.
هذه القاعدة التي أقرتها المادة 1043 هي مطابقة لأحكام اتفاقية جينيف لعام 1961 واتفاقية واشنطن لعام 1965 كما أن هذا الحل أقرته أنظمة التحكيم. وحتى يستفيد حكم التحكيم بكل آثاره في البلد الذي سيمارس رقابته عليه، فإنه يجب على المحكمين الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الإلزامية ومن النظام العام لهذا البلد.
2-1-2- القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
إلى جانب معرفة القانون الإجرائي الذي يجب تطبيقه على الخصومة التحكيمية، فإنه تطرح كذلك مسألة معرفةالقانونالذي سيطبق على موضوع النزاع، هل هو قانون الدولة الذي يجري فيه التحكيم، أم أنه يمكن اختيار قانون أي دولة أخرى بغض النظر عن أي اعتبار؟ المادة 1050 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تشكل النص الأساسي بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع إذ تنص: "تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الأطراف، وفي غياب هذا الاختيار تفصل حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها ملائمة".
المشرع الجزائري لم يحصر مسألة تعيين القانون المطبق على موضوع النزاع في حدود ضيقة، ولكنه ترك للأطراف حرية تحديده. وفي غياب اتفاق بين الأطراف، فإنه يرجع لمحكمة التحكيم تعيين هذا القانون.المادة 1050 تتكلم عن "قواعد القانون" les règles de droit وليس عن "القانون" loi وهذا يعني أنه يمكن لمحكمة التحكيم الفصل في موضوع النزاع إما بالرجوع إلى قانون دولة معينة، وإما تطبيق قواعد وأعراف التجارة الدولية أو ما يسمي "انون التجار" la lex mercatoria. المادة 1050 تنص بصفة غير مباشرة على جواز اللجوء إلى هذا القانون الأخير في حالة غياب اتفاق الأطراف على خلاف ذلك، وهذا حينما أقرت إمكانية الفصل في النزاع "حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها - محكمة التحكيم - ملائمة".
واختيار القانون الذي سيطبق على موضوع النزاع قد يدرج في اتفاقية التحكيم قبل أو بعد نشوء النزاع، وقد يكون هذا الاختيار صريحا أم ضمنيا. يجوز للأطراف اختيار قانون محايد ليس له أي علاقةموضوعية بمحل النزاع، ودون الارتباط بمبادئ القانون الدولي الخاص. ويجوز لهم كذلك الاتفاق على استبعاد تطبيق أي قانون وطني والرجوع إلى القواعد العامة للقانون أو إلى أعراف التجار الدوليين. إذا تولت محكمة التحكيم اختيار القانون المطبق على موضوع النزاع، فإنها تأخذ عادة بعين الاعتبار طبيعة وميزات العقد التجاري المبرم بين الأطراف.
2-2- الاختصاص
قد تطرح أمام محكمة التحكيم دفوع تتعلق بالاختصاص. المادة 1044 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تطرقت صراحة لهذه المسألة، إذ تنص أن محكمة التحكيم تفصل في الاختصاص الخاص بها، وأنه يجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفاع في الموضوع. وأما الفصل في هذا الدفع فإنه يتم بموجب حكم أولي إلا إذا كان مرتبطا بموضوع النزاع (م.1044 ف.2 ق.إ.م.إ.).
بالنسبة لاختصاص كلا من محكمة التحكيم الدولية و المحكمة الرسمية وعلاقتهما، فإن المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أنه: "يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، أو إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن تثار من أحد الأطراف". يظهر من نص المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن القاضي يصبح غير مختصا بالفصل في موضوع النزاع عندما تكون الخصومة التحكيمية قائمة، كما يصبح غير مختصا كذلك إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم.
عدم اختصاص القاضي بسبب وجود اتفاقية تحكيمليس من النظام العام، فلا يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه بل يجب على من له مصلحة إثارة هذا الدفع، وهذا ما يستنتج من المادة 1045 التي استعملت عبارة: "على أن يثار من أحد الخصوم". اشتراط إثارة الدفع بعدم الاختصاص من أحد الخصوم ليقضي به القاضي لصالح محكمة التحكيم هو مطابق للمادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تنص أنه يجب على المحكمة المطروح أمامها قضية ذات علاقة باتفاقية تحكيم أن تحيل النزاع إلى التحكيم "بطلب من أحد الفرقاء".
حتى و إن قبل القاضي الدفع بعدم الاختصاص من حيث الشكل، فيمكن أن يقضي برفضه والتمسك باختصاصه إذا تبين له مثلا أن اتفاقية التحكيم لاغيه أو باطلة أو أنها غير ملزمة أو أنه ليس في الإمكان تنفيذها وهذا ما أقرته المادة 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958. في حالة عدم إثارة الدفع بعدم الاختصاص، فإن الطرف يعتبر كأنه صادق على اختصاص القاضي وتنازل عن اتفاقية التحكيم.
ودور القاضي ليس دورا مهمشا في مجال التحكيم الدولي كما رأينا ذلك بالنسبة لإجراءات تشكيل محكمة التحكيم. يمكن للقاضي كذلك التدخل لاتخاذ تدابير تحفظية استعجالية أو مد يد المساعدة في مجال تقديم الأدلة أو في تنفيذ حكم التحكيم (انظر رقم 1001).
3-2- إجراءات خصومة التحكيم
إذا لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاقية التحكيم، فإنه يمكن لمحكمة التحكيم اتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية بطلب من أحد الأطراف (م.1046 ف.1 ق.إ.م.إ.). إذا رفض الطرف المعني تنفيذ التدبير المأمور بها، فإنه يمكن لمحكمة التحكيم أن تستعين بالقاضي. والقاضي الذي يكون مختصا في هذه الحالة هو إما القاضي المعين في اتفاقية التحكيم وإما القاضي الذي يقع في دائرة اختصاصه مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه (م.1042 ق.إ.م.إ.).
وإذا دعت الضرورة إلى اللجوء إلى القاضي في الحالة التي يرفض فيها الطرف المعني تنفيذ التدبير الذي أمرت به محكمة التحكيم، فإن القانون الذي يجب تطبيقه من طرف القاضي هو قانون بلد هذا القاضي (م.1046ف.2 ق.إ.م.إ.). ويمكن في كل الأحوال لمحكمة التحكيم أو للقاضي أن يخضع التدابير المؤقتة أو التحفظية لشرط تقديم الضمانات اللازمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير (م. 1046 ف.3 ق.إ.م.إ.).
قد تطرأ أثناء سير الخصومة صعوبات أو إشكالات لا يمكن لمحكمة التحكيم حلها بنفسها، ولذلك فإن المشرع أجاز القاضي مد يد المساعدة للمحكمين لحل هذه الصعوبات. ويكون تدخل القاضي في هذه الحالةبطب من المحكمين أو من الأطراف. حددت المادة 1048 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بعض الحالات التي يمكن فيها طلب المساعدة من القاضي: "إذا اقتضت الضرورة مساعدة السلطة القضائية في تقديم الأدلة أو تمديد مهمة المحكمين أو تثبيت الإجراءات أو في حالات أخرى، جاز لمحكمة التحكيم أو للأطراف بالاتفاق مع هذه الأخيرة، أو للطرف الذي يهمه التعجيل بعد الترخيص له من طرف محكمة التحكيم،أن يطلب بموجب عريضة تدخل القاضي المختص، ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي".
يرجع طبعا للأطراف تقديم طلباتهم ومستنداتهم. ومع ذلك فإن محكمة التحكيم هي التي تتولى البحث عن الأدلة بنفسها (م.1047 ق.إ.م.إ.). ويتم تقديم هذه الأدلة طبقا للقواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم موضوع النزاع. قد يعترض محكمة التحكيم صعوبات في البحث والحصول على أدلة، ففي هذه الحالة يمكنها طلب مساعدة القاضي في تقديم هذه الأدلة وهذا ما نصت عليه المادة 1048 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
4-2- حكم التحكيم الدولي
الأخيرة لإجراءات التحكيم هو صدور حكم التحكيم. يصدر حكم التحكيم من محكمة التحكيم وفق الشروط الشكلية والموضوعية المحددة في اتفاقية التحكيم. وإذا لم يحدد الأطراف هذه الشروط، فإنه تطبق القواعد العامة المطبقة على أحكام التحكيملا سيما فيما يخص شكلها وتشكيلها.
1-4-2- مفهوم حكم التحكيم وأنواعه
مفهوم "حكم التحكيم" لم يعرف تعريفا دقيقا في أغلب النصوص المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي.اتفاقية نيويورك لسنة 1958 تنص فقط على أن "عبارة قرارات التحكيم لا تشمل فقط القرارات التي يصدرها المحكمون المعينون للبت في القضايا الانفرادية، بل تشمل أيضا القرارات التي تصدرها هيئات التحكيم الدائمة التي يخضع لها الفرقاء". قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يعرف هو كذلك حكم التحكيم. يجب تمييز أحكام التحكيم عن العقود الأخرى لا سيما تمييزها عن الأوامر التي تصدرها محكمة التحكيم. وكما هو الشأن بالنسبة لأنواع الاحكام العادية، فإن التكييف الخاطئ لحكم التحكيم لا يؤثر على قابليته للطعن وأجل ممارسته.
حكم التحكيم قد يكون جزئيا أو أوليا (الحكم الفاصل في الاختصاص،القانون المطبق، صحة
العقد..) (م.1044 ق.إ.م.إ.). ويميز عادة بين أربعة أنواع من أحكام التحكيم: الحكم النهائي الذي يفصل في كل نقاط النزاع، الحكم الجزئي أو الأولي sentence partielle الذي يفصل في جزء من النزاع، الحكم
الغيابي sentence par défautالذي يصدر في غياب الخصم أو من يمثله، وأخيرا حكم اتفاق أطراف sentence d’accord-parties الذي يعاين وقوع صلح بين الأطراف (م.1049ق.إ.م.إ.).
2-4-2- تشكيل حكم التحكيم
حكم التحكيم هو القرار الذي ينهي الخصومة ويجعل حدالطلبات الأطراف. ويسبق صدور حكم التحكيم تداول المحكمة في حالة ما كانت تشكيلتها جماعية. والمداولة تتم في سرية أي دون أن يحضرها الأطراف. ويتخذ القرار بالأغلبية. إذا لم يحدد الأطراف بصفة تعاقدية الأجل الذي يجب فيه النطق بحكم التحكيم ولم يستندوا إلى نظام تحكيمي، فإن النطق بالحكم لا يخضع في هذه الحالة لأي أجل.يمكن للأطراف طبعا تمديد مهمة المحكمين، ولكن في غياب مثل هذا الاتفاق لا يجوز للمحكمين تمديد مهمتهم بمحض إرادتهم، ولكن يجب عليهم طلب ذلك من القاضي (م.1048 ق.إ.م.إ.). وحكم التحكيم الصادر خارج الأجل المحدد في اتفاقية الأطراف يكون مشوبا بالبطلان، وهذا ما أقرته صراحة المادة 1055-1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
3-4-2- شكل حكم التحكيم
يكون حكم التحكيم مكتوبا، وهذا ما يستنتج من المادة 1052 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص أن حكم التحكيم الدولي يثبت بتقديم أصله مرفقا باتفاقية التحكيم. لغة حكم التحكيم الدولي هي مبدئيا لغة البلد الذي اختار الأطراف تطبيق قانونه الإجرائي، ما لم يتفق الأطراف على لغة معينة. عند طلب إمهار حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية أو الطعن فيه بالبطلان، فإنه يجب ترجمته إلى لغة البلد الذي يقيم فيه القاضي المختص. ويكون حكم التحكيم مسببا تحت طائلة البطلان (م.1056-5 ق.إ.م.إ.).
يجب كذلك أن يتضمن حكم التحكيم بعض البيانات الأساسية: التاريخ لمراقبة ما إذا لم يصدر حكم التحكيم خارج الأجل المتفق عليه علما أن ذلك يشكل سبب من أسباب بطلان حكم التحكيم (م.1056-1 ق.إ.م.إ.)، التوقيع، المكان الذي صدر فيه والذي قد لا يكون مكان مقر محكمة التحكيم. ويبلغ حكم التحكيم طبعا للأطراف مباشرة أو بواسطة مؤسسة التحكيم.
4-4-2- أثار حكم التحكيم
كان المحكم، في التحكيم الداخلي،يتخلى عن النزاع بمجرد الفصل فيه (م.1030 ق.إ.م.إ.)، فإنه لا يوجد نصا مماثلا بالنسبة للتحكيم الدولي. ومع ذلك، فإن المنطق يريد أن الاتفاقية المبرمة بين الأطراف والمحكم تضمن هذا التخلي إلا في حالات استثنائي.
يمكن أولا، كما هو الحال بالنسبة لحكم التحكيم الداخلي، أن يكون حكم التحكيم الدولي محل تفسير بطلب من أحد الأطراف إذا تبين أن هذا الحكم غامض، وعلى شرط أن يكون هذا التفسير ضروريا لتنفيذ الحكم. يمكن كذلك لمحكمة التحكيم تصحيح منطوق حكمها إذا اتصل بهذا الحكم خطأ ماديا كأن يتعلق الأمر بتصحيح خطأ وقع في عملية حسابية محددة للتعويضات المحكوم بها. قد يقع كذلك سهو عن الفصل في أحد الطلبات، ففي هذه الحالة يمكن لمحكمة التحكيم إصدار حكم تحكيمي إضافي. ويمكن إعادة النظر في حكم التحكيم الدولي في حالة الغش كاستعمال مزور مثلا. وبمجرد صدوره يحوز حكم التحكيم سلطة الشيء المقضي فيه بالنسبة للمنازعة التي فصل فيها.
III - الاعتراف بأحكام التحكيم الدولية و تنفيذها
1- الاعتراف بأحكام التحكيم الدولي وتنفيذها
تكون أحكام التحكيم الدولي قابلة للتنفيذ بين الأطراف فور صدورها. إذا تعلق الأمر بحكم تحكيم صادق عليه الأطراف، فإن تنفيذه يكون طوعيا وإلا أمر بتنفيذه في إطار إجراءات التنفيذ الجبري طبقا لأحكام المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. لا يمكن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إلا إذا تم الاعتراف بها في الجزائر أي إذا أثبت من تمسك بها وجودها، وكان هذا الاعتراف غير مخالف للنظام العام الدولي (م.1051ق.إ.م.إ.). ويثبت حكم التحكيم بتقديم الأصل مرفقا باتفاقية التحكيم أو بنسخ عنها تستوفي شروط صحتها (م.1052 ق.إ.م.إ.).
إذا كانت أحكام التحكيم الدولي صادرة عن محكمة التحكيم يقع مقرها بالجزائر، فإن طلب التنفيذ الجبري هو من اختصاص رئيس المحكمة التي صدرت هذه الأحكام في دائرة اختصاصها. وأما إذا كانت صادرة عن محكمة التحكيم يقع مقرها خارج الإقليم الوطني، فإن طلب التنفيذ الجبري يقدم إلى رئيس محكمة محل التنفيذ (م.1051 ف.2 ق.إ.م.إ.).
يجب التمييز بين الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه. الاعتراف هو قبول وجود حكم التحكيم في النظام القانوني الجزائري، وأما التنفيذ فإنه ينتج من الطلب المقدم أمام المحاكم بغرض إضفاء الطابع التنفيذي لحكم التحكيم. الاعتراف لا يرمي إلى التنفيذ الجبري. مثلا قد يطلب أحد الأطراف في الجزائر الاعتراف بحكم تحكيم قضى برفض دعوى خصمه، فهذا الحكم لا يستوجب أي تدبير تنفيذي، فلا حاجة في امهراه بالصيغة التنفيذية.
المادة 1051 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تسند لرئيس المحكمة صلاحية إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الدولي. لقد رأينا أن رئيس المحكمة يتدخل عن طريق إصدار أوامر وهذه الأوامر نوعان: أوامر على العرائض أو أوامر استعجالية. إن النظامين مختلفين من حيث الطبيعة ومن حيث الإجراءات.الأمر على العريضة يتخذ في غياب الخصم وفي غرفة المشورة، فيما أن الأمر الاستعجالي يصدر ضمن نفس الأوضاع التي تصدر فيها الأحكام القضائية، لا سيما تصدر إثر خصومة وجاهية وفي جلسة علنية.
المادة 1051 لم توضح ما إذا كان الأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي يصدر عن رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة أم أنه يتخذ في شكل أمر على عريضة في غياب الخصم. قانون الإجراءات المدنية القديم سوى هذا الإشكال بنصه في المادة 458 مكرر20 أن قرارات المحكمين تكون قابلة للتنفيذ بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة "بذيل أصل القرار أو بهامشه"، أي أن الإجراء يتخذ في الأوضاع المقررة في مجال القضاء الولائي أي في غياب الخصم وهذا ما ثبتته المحكمة العليا1. غياب نص مماثل في قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا يعني أن المشرع أسند إجراء إمهار حكم التحكيم الدولي بالصيغة التنفيذية إلى قاضي الأمور المستعجلة، بل اعتبره دائما كإجراء يتخذ من قبل رئيس المحكمة ضمن الأوضاع المقررة في المواد الولائية، ولذلك منع أي طعن ضد الأمر القاضي بالتنفيذ (م.1058 ف.2 ق.إ.م.إ.).
حتى وإن كان الأمر القاضي بتنفيذ حكم التحكيمالدولي يتخذضمن الأوضاع المقررة للأوامر على العرائض فإن ذلك لا يعني ان رئيس المحكمة يصدر أمره دون أي مراقبة بل بالعكس فإن القاضي يكون ملزما بإجراء فحص ومراقبة على مستوى عدم تعارض حكم التحكيم الأجنبي مع النظام العامالدولي (م.1051 ف.1 ق.إ.م.إ.). والمقصود بالنظام العام الدولي هو لا فقط المسائل التي يعتبرها التشريع الجزائري أنها من النظام العام ولكن كذلك قوانين الشرطة (م.5 ق.م.) أي النصوص الإلزامية التي لا يجوز مخالفتها في اتفاقية أو في عقد.
إجراءات تقديم طلب الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم الدولي، واستخراج نسخة رسمية منه ممهورة بالصيغة التنفيذية تخضعلنفس الإجراءات المطبقة على حكم التحكيم الداخلي (م.1054 ق.إ.م.إ.).
2- طرق الطعن في أحكام التحكيم الدولية
1-2- الاستئناف
أجاز القانون الاستئناف في أمر رئيس المحكمةالقاضي برفض الاعتراف بحكم التحكيم الدولي أو برفض تنفيذه، وذلك دون أي قيد (م.1055 ق.إ.م.إ.).، وأما حكم التحكيم الدولي ذاته فإنه أخضعه لطعن خاص وهو الطعن بالبطلان. بالنسبة لأمر رئيس المحكمة القاضي بالاعتراف بحكم التحكيم الدولي أو بتنفيذه، فإنه لا يجوز استئنافه إلا في بعض الحالات الخاصة نصت عليها المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وهي:
- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية،
- إذا كان تشكيل محكمة التحكيمأو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون،
- إذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة إليها،
- إذا لم يراعى مبدأ الوجاهية،
- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب،
- إذا كان حكم التحكيم مخالف للنظام العام الدولي.
يجب رفع الاستئناف في أمر رئيس المحكمة في أجل شهر من تاريخ التبليغ الرسمي، ويقدم أمام المجلس القضائيالذي يتبعه القاضي الذي فصل في طلب الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه (م.1057 ق.إ.م.إ.). يوقف تقديم الاستئناف وأجل ممارسته تنفيذ حكم التحكيم (م.1060 ق.إ.م.إ.). ويكون قابلا للطعن بالنقض القرار الصادر من المجلس القضائي إثر الاستئناف في أمر رئيس المحكمة (م.1061 ق.إ.م.إ.).
2-2- الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر
يمكن أن يكون حكم التحكيم الصادر في الجزائر محل طعن بالبطلان، في نفس الحالات التي يجوز فيها الاستئناف في أمر رئيس المحكمة القاضي بالاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه والتي سبق ذكرها (م.1058 ف.1 ق.إ.م.إ.). يجب أن يتعلق الأمر بحكم تحكيم صادر في الجزائر، وأما حكم التحكيم الدولي الصادر في الخارج فإنه لا يجوز الطعن فيه أمام جهة قضائية جزائرية، ويمكن فقط عند الاقتضاء الطعن في أمر رئيس المحكمة الفاصل في طلب تنفيذه أو الاعتراف به، وذلك عن طريق الاستئناف.
أمر رئيس المحكمة القاضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر لا يكون قابلا لأي طعن، غير أنه إذا رفع طعن بالبطلان ضد هذا الحكم فإن هذا الطعن يرتب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ، وإذا لم يفصل بعد رئيس المحكمة في طلب التنفيذ، فإنه يجب عليه التخلي عن الفصل فيه (م.1058 ف.2 ق.إ.م.إ.).
يرفع الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر أمام المجلس القضائي الذي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه، ويكون هذا الطعن مقبولا ابتداء من تاريخ النطق بحكم التحكيم، غير أنه يصبح الطعن غير مقبولابعد أجل شهر من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر القاضي بالتنفيذ (م.1059 ق.إ.م.إ.).
ويوقف تقديم الطعن بالبطلان وأجل ممارسته تنفيذ حكم التحكيم. وأما القرار الصادر من المجلس القضائي إثر هذا الطعن، فإنه يكون قابلا للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا (م.1061 ق.إ.م.إ.).
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى المجلس
brahimimohamed54@gmail.com