في بعض الأحيان ، والأمثلة كثيرة ، فإن المتقاضي يرفع دعوى أمام الجهة القضائية للحكم على خصمه باللجوء إلى الغش أو إلى وسائل احتيالية. مثلا لتأكيد وإثبات ادعاءاته يمكن للمدعي الاحتجاج أمام القاضي بشهادات أو مستندات مزورة و على أساس هذه المستندات التي لم يشك القاضي أو الطرف الآخر في أنها مزورة ، يصدر حكم لصالح هذا المدعي . لا شك أن هذا المتقاضي خدع القاضي بلجوئه إلى الكذب و إلى وسائل احتيالية لربح دعواه و الحكم على خصمه ، و لذلك فإن الحكم الذي صدر في هذه الظروف يكون قد فقد حرمته بمعنى أنه يمكن أن يكون محل إعادة النظر أو على الأقل يمكن أن يكون محل دعوى جزائية لهذا السبب.
يمكن أولا لضحية هذه المناورات الاحتيالية التي سمحت لخصمه الحصول على حكم نهائي قابل للتنفيذ أن يقدم طعنا بالتماس إعادة النظر في هذا للحكم و ذلك في إطار المادة 392 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية إذا قدمت أدلة عن حقيقية هذه المناورات و هذا ما سيسمح بإبطال هذا الحكم. المشكل هو أن هذا الطعن بالتماس إعادة النظر يخضع لشروط حددها القانون حصريا . يكون الطعن بالتماس إعادة النظر مقبولا فقط في حالتين اثنتين:
1 - إذا بني الحكم أو القرار أو الأمر على شهادة شهود أو على وثائق اعترف بتزويرها أو ثبت قضائيا تزويرها بعد صدور ذلك الحكم أو القرار أو الأمر و حيازته قوة الشيء المقضي فيه.
2- إذا اكتشفت بعد صدور الحكم أو القرار أو الأمر الحائز لقوة الشيء المقضي فيه أوراق حاسمة في الدعوى كانت محتجزة عمدا لدى أحد الخصوم.
بعض المناورات التي ترمي إلى خداع القاضي والحصول على حكم ضد الخصم قد توصف بأنها مناورات احتيالية و مع ذلك فإنها لا تشكل تزويرا بمفهوم المادة 392-1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، و من ثمة فإن الطعن بالتماس إعادة النظر لطلب إبطال هذا الحكم يكون غير مقبول.القضاء المقارن يعاقب هذا السلوك الذي لا يشكل تزويرا بمعناه الدقيق على أساس جنحة " النصب عل الحكم" Escroquerie au jugement . هذا القضاء نفسه هو الذي حدد مظاهر و والعناصر المكونة لهذه الجريمة و قمعها على أساس نص قانون العقوبات الذي يدين النصب.
المادة 372 من قانون العقوبات الجزائري تنص على ما يلي: " كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية أو وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك و كان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث الأمل في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادث أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية في وقوع شيء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر و بغرامة من 500 إلى 20000 دينار ".
على أساس هذا النص ، و كون الحكم هو سند تنفيذي ينشأ التزاما أو إبراء ذمة ، فإن القضاء المقارن في التشريعات التي ينص فيها قانون العقوبات على نفس جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 372 من قانون العقوبات الجزائري ، فإنه يعاقب جزائيا الفعل الذي يخدع القاضي للحصول على حكم إضرارا بالخصم و الذي مس ثروة و ذمة هذا الأخير وذلك تحت تكييف " النصب على الحكم " .المحكمة العليا لم تصدر بعد حسب علمنا قرارات عالجت هذه المسألة وهذا يعني أن المتقاضين الذين يقعون ضحايا لمثل هذه الأفعال يجهلون هذه الآلية الجزائية للطعن و إعادة انظر في الأحكام الصادرة خلسة فلا يلتجئون إليها.حددت محكمة النقض الفرنسية عناصر و شروط قيام هذه الجريمة الخاصة مع العلم أن النص الجزائي الذي أسست عليه هذه المحكمة قضائها هي المادة 313-1 من قانون العقوبات الفرنسي التي تعاقب النصب و التي تعادل المادة 372 من قانون العقوبات الجزائري.
الشرط الأول لقيام جريمة النصب على الحكم هو وجود كذب يهدف إلى خداع القاضي للحصول على حكم إيجابي على حساب الخصم . لكن هذا العنصر ليس كافيا في حد ذاته ، لأن الكذب وحده لا يمكن أن يحجب حق التقاضي . يجب أن تتبعه مناورات احتيالية أي واقعة خارجية أو تصرف مهما كان نوعه يهدف إلى إعطائه مصداقية. من جهة أخرى يجب إثبات توفر القصد الجنائي لمرتكب المناورة الاحتيالية أي إثبات أن هذا الأخير أراد عن قصد خداع القاضي للحصول على حكم لصالحه. يتعلق الأمر إذا بإثبات سوء النية.
يعتبر نصب على الحكم في التشريع المقارن مثلا : تقديم مستندات في دعوى الطلاق تثبت على خلاف الحقيقة الوضع المالي أو الاجتماعي للزوج من أجل تخفيض النفقات المستحقة للزوجة المطلقة ، الحكم على المستأجر بدفع متأخرات الإيجار لمالك المحل المؤجر الذي أخفى واقعة فسخ عقد الإيجار مع إيجار المحل لشخص آخر . يدخل أيضا تحت تكييف جنحة النصب على الحكم : الاحتجاج في خصومة قضائية بحكم عاين حقيقة دين فيما أن هذا الحكم قد تم إلغائه في الاستئناف ، تقديم عقد عمل محدد المدة مزور من طرف المستخدم من أجل تفادي دفع تعويضات عن التسريح التعسفي ، تقديم فاتورة مزورة لإثبات دين ، تقديم شهادات مزورة أو شهادات شهود كاذبة ، تقديم وثائق منتهية الصلاحية لم يعد لها أي تأثير قانوني ، تقديم محاسبة مزورة، تقديم محضر معاينة مزور ...
يتم تحريك الدعوى العمومية من أجل جنحة النصب على الحكم إما عن طريق تقديم شكوى إلى الضبطية القضائية أو إلى النيابة العامة و إما بإيداع شكوى أمام قاضي التحقيق مصحوبة بادعاء مدني . يمكن أن تحتوي الشكوى في نفس الوقت جنحة النصب على الحكم و جرائم التزوير و استعمال مزور. على غرار كل الجنح تتقادم جنحة النصب على الحكم بثلاث سنوات طبقا لأحكام المادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية. حدد القضاء نقطة سريان هذا التقادم من التاريخ الذي أصبح الحكم المتحصل عليه عن طريق مناورات احتيالية حائزا لقوة الشيء المقضي فيه و قابلا للتنفيذ.
في حالة توفر عناصر جنحة النصب على الحكم فإنه يجوز رفع الدعوى أمام القاضي المدني بدلا من القاضي الجزائي وهذه الدعوى المرفوعة أمام القاضي المدني يكون موضوعها طلب تعويضات عن الضرر بسبب النصب على الحكم إذ أن هذا النصب يعد بمثابة فعل ضار بمفهوم المادة 124 من القانون المدني التي تنص :" كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض". و مع ذلك يمكن قبل رفع دعوى أمام القاضي المدني لطلب التعويض عن النصب على الحكم تقديم شكوى إلى وكيل الجمهورية على أساس جنحة النصب على الحكم في الأجل المقرر لتقادم الجنح أي 3 سنوات. في حالة ما نجحت الشكوى من أجل النصب على الحكم و صدر قرارا نهائيا يدين المتهم بهذه الجنحة فإنه يمكن بعد ذلك على ضحية هذه الجريمة أن يرفع دعوى أمام الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المدني محل دعوى النصب لطلب إبطاله على اساس نص المادة 392-1 من قانون الاجراءات المدنية التي تجيز الطعن بالتماس اعادة النظر في الحالة التي يكون فيها الحكم أو القرار أو الأمر قد بني على شهادة شهود أو على وثائق اعترف بتزويرها أو ثبت قضائيا تزويرها بعد صدور ذلك الحكم أو القرار أو الأمر و حيازته قوة الشيء المقضي فيه.
ذلك
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى مجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54@gmail.com