CABINET M.BRAHIMI , Avocat

تعليق على أبرز قرارات المحكمة العليا المنشورة خلال سنة 2024

mohamed brahimi By On 13/11/2024

ٍImage cour supreme

صدر عن المحكمة العليا آخر المجلات التي اعتادت نشرها " مجلة المحكمة العليا "  تضمنت قرارات ملفتة للانتباه  فصلت في مسائل قانونية  و إجرائية ذات أهمية متميزة  و يتعلق الأمر بالعدد الثاني لسنة 2022 و العدد الأول لسنة 2023 ، و هتين المجلتين متوفرتين على الموقع الالكتروني للمحكمة العليا.

-  المسؤولية الطبية

في مجال المسؤولية الطبية الناتجة عن الخطأ قضت المحكمة العليا (قرار بتاريخ 17 أكتوبر 2022، ملف رقم 1483290) أن العيادة الطبية تتحمل المسؤولية  عن الأضرار المادية و الجمالية و أضرار التألم الناتجة عن عملية جراحية أجرتها لمريض مصاب بداء السكري  رغم علمها بوضعه الصحي الذي قد يشكل عائقا على نجاحها . في هذا الملف يتعلق الأمر  بعيادة طبية أجرت عملية  تركيب طاقم أسنان  على  شخص تسبب في تعفن الفك العلوي لفمه أدى إلى سقوط عدة أسنان مزروعة. الخبرة التي أمرت بها الجهة القضائية  عاينت أن  العيادة التي أجرت العملية كانت على دراية بمرض السكري الذي كان يعاني منه  المعني  و كان بإمكانها تفادي إجراء عملية  تركيب طاقم الأسنان  الذي كان سببا في  تعفن الفم.

الملفت للانتباه أن المحكمة العليا و بصفة عرضية حملت العيادة الطبية خطأ عدم إعلامها مسبقا المريض بالتداعيات الصحية المحتملة في حالة إجراء له عملية  تركيب طاقم الأسنان و هو الالتزام بالإعلام المنصوص عليه في المادة 23 من  القانون قم  18-11 المؤرخ في 02/07/2018 المتعلق بالصحة  التي تنص : " يجب إعلام كل شخص بشأن حالته الصحية  و العلاج الذي تتطلبه و الأخطار التي يتعرض لها " .

- حجية العقود القديمة المبرمة قبل الاستقلال.

في مجال حجية و نفاذ العقود القديمة المحررة قبل الاستقلال من طرف السلطات القضائية  التي كانت قائمة آنذاك و التي ألغيت  بعد الاستقلال  (القاضي الشرعي ، عادل ، باش عادل )، فإن  المحكمة العليا  كرست  قضائها السابق الذي مفاده أن  العقود المحررة من طرف القضاة الشرعيين  لا سيما تلك التي  تثبت ملكية عقار أو حق عيني هي عقود رسمية صالحة لإثبات الملكية  (قرار بتاريخ 25 فيفري 2004 ، ملف رقم 264528 – راجع التعليق على هذا القرار  على هذا الموقع  تحت عنوان "حجية عقود نقل ملكية العقارات أو الحقوق العينية العقارية المحررة قبل الاستقلال". في قرارها الصادر مؤخرا  ( قرار بتاريخ 8 سبتمبر 2022، ملف رقم 1352771 )  جعلت  المحكمة العليا حدا  لموقف  بعض الجهات القضائية    التي تستبعد هذا النوع من العقود بحجة  أنها غير دقيقة ولا تحدد بدقة حدود و مساحة العقار المشمول بهذه العقود . نقضت المحكمة العليا و أبطلت قرار صادر عن مجلس قضاء تيزي وزو الذي استبعد عقود محررة قبل الاستقلال من طرف قضاة  شرعيين احتج بها المدعي لإثبات ملكيته لعقار و ذلك  بسبب أنه استحال تطبيق هذه العقود  في الميدان لعدم ذكرها مساحة و حدود  القطعة الأرضية محل النزاع و هذا ما  يجعل حسب قضاة المجلس هذه العقارات غير محددة  تحديدا كافيا فيصعب معه تحديد الاعتداء من عدمه. 

المحكمة العليا نقضت و أبطلب قرار مجلس قضاء تيزي وزو و اعتبرته مخالف للقانون إذ قضت أنه ما دام دعوى استحقاق الملكية المرفوعة من قبل الطاعن  تستند إلى عقود  محررة من طرف قضاة شرعيين  فإنه يجب على الجهة القضائية الأخذ بها  كونها عقود رسمية صحيحة  و منتجة لجميع ﺁثارها  القانونية في إثبات ملكية العقار كما قضت أنه في حالة ما إذا كانت هذه العقود غير دقيقة بالنسبة لموقع العقار و مواصفاته فإنه يرجع للقاضي عند الضرورة الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق من شأنه  تحديد مكان وجود العقار و هل هو نفسه العقار المبين في العقد لا سيما تعيين خبير أو إجراء تحقيق . المبدأ الذي اعتمدته المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 08 سبتمبر 2022 الذي احتوى فرعين و الذي ورد على رأس هذا القرار ورد في هذا الشكل :" تعد العقود المحررة من طرف القضاة الشرعيين عقودا رسمية صالحة لإثبات الملكية - متى كانت الملكية مجسدة  في عقود رسمية  صحيحة  يتعين على قضاة الموضوع الفصل في النزاع  المعروض عليهم  و تقرير لمن تعود الملكية  المتنازع عليها بناء على العقود  و الأدلة المعروضة عليهم ".     

- عقود البيع المبرمة في إطار الترقية  العقارية : عقد البيع – عقد حفظ الحق – عقد البيع على التصاميم

استدعيت المحكمة العليا للفصل في إشكالية طبيعة و ﺁثار عقد البيع عل التصاميم لبناية أو جزء من بناية  مقررة بنائها  أو في طور البناء المبرم  بين  المرقي العقاري و  المكتتب و ذلك في إطار أحكام القانون رقم 11-04 المؤرخ في  17 فيفري 2011 المحدد للقواعد التي تنظم  نشاط الترقية العقارية.

نص القانون رقم 11 -04 المؤرخ في  17 فيفري 2011 المحدد للقواعد التي تنظم  نشاط الترقية العقارية على عدة طرق لبيع  عقار من قبل مرقي عقاري .  قد يتعلق الأمر ببيع عقار مبني  أو ببيع  بناية أو جزء من بناية  مقرر بنائها  أو في طور البناء . يجب أن تكون جميع طرق البيع هذه موضوع عقد  مححر في شكل رسمي  أي عقد محرر من طرف موثق مسجل و مشهر بالمحافظة العقارية.

أولا يمكن للمرقي  العقاري الذي أكمل بناء مجمع عقاري وحاصل على شهادة المطابقة  تطبيقا  لأحكام المادة 25 من القانون رقم 04-11 أن يبرم  عقد بيع contrat de vente  مع المقتني  مقابل تسديد سعر  البيع المتفق عليه . في هذه الحالة يتم تحرير عقد البيع  في الشكل الرسمي أي أمام موثق. و شهر عقد البيع بالمحافظة العقارية يستتبع نقل ملكية العقار . حتى بعد حيازة المقتني للعقار و تسليم شهادة المطابقة  يبقى المرقي العقاري  مسئولا بموجب المادة 26 من القانون رقم 11-04 لمدة 10 سنوات من تاريخ استلام البناية من قبل المشتري عن التهدم الكلي أو الجزئي للبناية  و لو كان التهدم  ناشئا عن عيب في الأرض  و هذا الضمان الذي نصت عليه أيضاً المادة 554 من القانون المدني و المادة  30  من المرسوم التنفيذي رقم 12-85 المؤرخ في 20 فيفري 2012 الذي يحدد الالتزامات و المسئوليات  المهنية للمرقي العقاري  يمتد  إلى ما يوجد في البناية من  عيوب  يترتب عليها  تهديد متانة  البناية  و سلامتها. و يبقى  المرقي العقاري ملزم بضمان  الإنهاء الكامل  لأشغال انجاز العقار  التي التزم بها  طيلة سنة واحدة .

ثانيا يمكن  للأطراف  في بيع عقار  منجز من قبل مرقي عقاري أن يلجئوا  إلى سن عقد حفظ الحق contrat de réservation   المنصوص عليه بالمادة 27 من القانون رقم 11-04 . عقد حفظ الحق  هو العقد الذي يلزم بموجبه المرقي العقاري بتسليم العقار المقرر  بنائه أو في طور البناء ، لصاحب الحق ، فور إنهائه، مقابل تسبيق يدفعه هذا الأخير. و هذا التسبيق  المدفوع من طرف صاحب حفظ الحق لا يدفع مباشر في حساب المرقي العقاري و لكن يدفع في حساب هذا الأخير لدى  هيئة ضمان عمليات الترقية العقارية المنشئ بموجب المادة 13 من المرسوم التشريعي رقم 93-01 المؤرخ في 19 جانفي 1993 المتضمن قانون المالية لسنة 1993.

نص القانون رقم 11-04 على نوع آخر من عقود بيع عقار من قبل مرقي عقاري  و هو عقد  البيع على التصاميم  contrat de vente sur plans لبناية أو جزء من بناية  مقرر بنائها أو في طور البناء. إنه العقد  الذي يتضمن و يكرس تحويل حقوق  الأرض و ملكية البنايات  من طرف المرقي العقاري  لفائدة المكتتب موازاة مع تقدم الأشغال ،  و في المقابل  يلتزم المكتتب  بتسديد السعر كلما تقدم الانجاز.

بالنسبة لعقد  البيع على التصاميم  فلقد استدعيت  المحكمة العليا  للإجابة على مسألة  كانت محل  جدال و هي  معرفة ما إذا  كان هذا النوع من العقود  يشكل سند ملكية  أو هل يجب تكملته بعقد بيع  نهائي  محرر أمام موثق مسجل و مشهر. في بعض الحالات و رغم أن المرقي العقاري  أكمل  انجاز   البناية  محل عقد البيع على  التصاميم فإنه  يمتنع   لسبب أو لآخر  عن  إتمام عملية البيع  بتسليم المقتني  محضر تسليم البناية  المحرر أمام الموثق على أساس شهادة المطابقة  التي تسلمها مسبقا  تطبيقا لأحكام المادة 39 من القانون رقم 11-04.  

 في قرار مؤرخ في 7 جويلية 2022 ملف رقم 1383360  فصلت المحكمة العليا في  دعوى رفعها مقتني  شقة  تم بيعها على التصاميم  ضد مرقي عقاري  موضوعها إلزام هذا الأخير الذي لم يتحصل بعد على شهادة المطابقة بالحضور أمام موثق  لتحرير عقد البيع النهائي .بالنسبة لقضاة مجلس قضاء وهران  الذين فصلوا في هذه الدعوى  كجهة استئنافية فإن هذه الدعوى غير مؤسسة  لأن تحرير عقد البيع النهائي مرتبط  بالحصول على شهادة المطابقة و ذلك طبقا للمادة 39 من القانون رقم 04-11 التي تنص على أنه لا يمكن حيازة بناية أو جزء من البناية  إلا بعد الحصول على شهادة المطابقة . المحكمة العليا نقضت تسبيب قضاة مجلس قضاء وهران  على أساس  أن عقد البيع على التصاميم  لوحده كافيا ليكون  سندا للملكية  ما دام أبرم رسميا  و تم شهره بالمحافظة العقارية  بشرط  أن يستكمل بمحضر حيازة معد من طرف نفس الموثق  بعد حصول المرقي العقاري على شهادة المطابقة  المقررة في نص المادة 39 من القانون رقم 04-11 و عليه فإذا رفض المرقي العقاري  تكملة عقد البيع  بالتسليم القانوني للشقة  محل البيع على التصاميم  فإن على المقتني أن يرفع ضده دعوى أمام المحكمة و لكن   ليس بغرض  إتمام عملية البيع  بتحرير  عقد بيع نهائي أمام الموثق و لكن  فقط  لإلزامه  بالحضور أمام الموثق لإعداد محضر تسليم  الشقة    فيما أن  عقد البيع على التصاميم  الذي تم استلامه من قبل المقتني يعد بذاته سند ملكية .

- منازعات  ترقيم  العقارات في السجل العقاري

في المنازعات الناشئة عن ترقيم عقار أو حق عيني عقاري في السجل العقاري، يميز  القانون بين الترقيم (أو القيد)  النهائي و الترقيم المؤقت. إذا كان ترقيم  العقار نهائيا مما يعني تسليم دفتر عقري  لصاحب هذا العقار يحمل  هذه الإشارة   ، فإن إلغاء أو تعديل هذا الترقيم النهائي (أو الدفتر  العقاري) يكون من اختصاص المحكمة الإدارية الابتدائية. بالعكس، إذا كان هذا  الترقيم  مؤقتا فقط، فإن المحكمة المختصة بإلغاء هذا التقييم  أو تعديله هي المحكمة العادية في قسمها العقاري. في حالة ما إذا كان النزاع يخص ترقيم مؤقت يدخل في اختصاص المحكمة العادية  فإن الدعوى الرامية إلى إلغاء أو تعديل هذا الترقيم  لا تكون مقبولة إلا بعد عرض النزاع على المحافظ العقاري عن طريق اعتراض على الترقيم المؤقت.   

  إجراء الاعتراض على ترقيم أو قيد عقار أمام المحافظ العقاري منصوص عليه في المادة 15 من  المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري المعدل و المتمم بالمرسوم التنفيذي رقم 93-123 المؤرخ في 19 ماي 1993. بمجرد أن يرفع الاعتراض عن الترقيم المؤقت أمام المحافظ العقاري ، فإن هذا الأخير يشرع في محاولة الصلح بين الأطراف. في حالة عدم نجاح محاولة الصلح ،  فإن المحافظ العقاري يحرر محضر عدم الصلح. بعد استلامه محضر عدم الصلح  يجوز للطرف الذي نازع ترقيم العقار رفع دعوى أمام القسم العقاري للمحكمة موضوعها طلب الاعتراف له بملكيته للعقار محل الترقيم المؤقت و بالنتيجة إلغاء هذا الترقيم. من جهته  فإنه يمكن  للطرف الآخر الذي تسلم  هو كذلك نسخة من محضر عدم لصلح   أن يرفع دعوى أمام المحكمة  يطلب فيها رفع الاعتراض على ترقيم العقار باسمه.    

   تطبيقا لأحكام المادة 15 من المرسوم  رقم 76-63  المؤرخ في 25 مارس 1976، فإن  بعض المحاكم اعتبرت  إجراء محاولة  الصلح المسبق أمام المحافظ العقاري هو إجراء من النظام العام  و عليه فإذا رفعت الدعوى مباشرة أمام المحكمة  بغرض إلغاء الرقيم المؤقت   أو رفع الاعتراض على هذا  الترقيم  دون  أن يكون النزاع قد سبق عرضه على المحافظ القاري فإن هذه الدعوى تكون غير مقبولة  و يمكن للقاضي إثارة عدم القبول تلقائيا . المشكلة هي أنه في كثير من الأحيان لا يتم دراسة الاعتراضات المقدمة  أمام المحافظ العقاري   أو  أنها تبقى معلقة  لأجل غير محدود  مما يدفع  المعنيين إلى رفع النزاع مباشرة إلى المحكمة دون تقديم  محضر عدم الصلح  المحرر من قبل المحافظ العقاري . في بعض الحالات فإنه رغم استظهار المدعي للدليل الكتابي الذي يثبت أنه  قدم اعتراض على الترقيم المؤقت  أمام المحافظ العقاري الذي بقي دون إجابة فإن بعض المحاكم و حتى بعض المجالس القضائية  تقضي  بعدم قبول الدعوى.

لا شك  أن هذا  القضاء  للجهات القضائية السفلى  يضر بالمتقاضين  و قد يصل هذا الضرر    إلى حد تجريدهم من عقاراتهم من طرف أشخاص محتالين يستغلون الأخطاء التي يرتكبها  أعوان إدارة مسح الأراضي  أثناء عمليات المسح  للاستيلاء على ملكية الغير  و هذا القضاء يكون أكثر عرضة للنقد  كون الخطأ الأصلي  يتحمله لا المتقاضي و لكن المحافظ العقاري  الذي تهاون  في الفصل في  الاعتراضات على الترقيم المؤقت المقدمة له. لذلك فإن المحكمة العليا و في قرار سابق  مؤرخ في  16 سبتمبر 2021 ملف رقم 1324283  جعلت حدا لهذا القضاء المحرج  إذ قضت  أن  عدم تقديم  محضر عدم الصلح  في الدعوى القضائية  لا يشكل عائقا على قبول هذه الدعوى  ما دام المدعى قدم للقاضي الدليل  على أنه قدم اعتراض على الترقيم المؤقت قبل رفع دعواه  .اعتبرت المحكمة العليا أنه ما دام المدعي غير مسئول  عن عدم تسليم محضر عدم الصلح  و أن المحافظ العقاري هو المخطئ بعدم الرد  في أجل معقول  على الاعتراض المقدم له  فانه يجب قبول الدعوى المرفوعة أمام المحكمة    بالرغم من عدم تقديم محضر عدم الصلح  .

لا شك أن  هذا القرار للمحكمة العليا يكتسي أهمية متميزة  إذ جعل حدا  لقضاء الجهات القضائية السفلى الذي تسبب في أضرار جسيمة  لحقت بعض المتقاضين لمتقاضين فمن  نتائج هذا القضاء الخاطئ  لقضاة الموضوع  أنه يحول الترقيم المؤقت للعقار إلى ترقيم نهائي لأنه من جهة  فإن الطرف الخصم  الذي يكون قد استولى على العقار بطريق الغش و التدليس  قد يحتج بالحكم الصادر لصالحه و لو كان حكم بعدم قبول الدعوى  و من جهة أخري فإن أجل السنتين المقرر قانونا  لصيرورة الترقيم المؤقت ترقيما نهائيا يكون قد انقضى.

 في قرارها  الأخير  المؤرخ في  4 ماي 2023 ملف رقم 1404430، وضعت المحكمة العليا أيضًا حدًا للقضاء الذي انتهجته بعض الجهات القضائية السفلى حول شروط قبول دعوى الطعن في الترقيم المؤقت إذ اعتادت  التصريح بعدم قبول  هذه الدعوى على أساس   تفسير خاطئ  للنص القانوني  الذي يحدد الأجل الذي يجب خلاله رفع الاعتراض على الترقيم المؤقت أمام المحافظ العقاري  و هو نص المادة 15 الفقرة 5 من المرسوم رقم 93-123 المؤرخ في 19 ماي 1993 المعدل والمتمم للمرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس  السجل العقاري الذي حدد هذا الأجل بستة أشهر.

على الرغم من أن المادة 15 الفقرة 5 من المرسوم  التنفيذي رقم  93-123 هو نص واضح لا  يحتاج لأي تفسير أو تأويل  كونها تنص صراحة  أن سريان أجل 6 أشهر  لرفع الدعوى  أمام المحكمة  تبدأ من تاريخ " تبليغ " محضر عدم الصلح الذب حرره المحافظ العقاري  فإن بعض الجهات القضائية تقضي برفض الدعاوى الرامية إلى إلغاء الترقيم المؤقت لعقار أو إلى رفع الاعتراض على هذا الترقيم بحجة  أن هذه الدعاوى رفعت بعد انقضاء أجل  6 أشهر الذي يسري من تاريخ  إعداد محضر عدم الصلح .  قرار  المحكمة العليا المؤرخ  في 4 ماي 2023  نقض و  أبطل  قرار صادر عن مجلس قضاء البويرة  الذي  حدد  سريان أجل 6  أشهر  بتاريخ تحرير  محضر عدم الصلح  بدلا من تاريخ تبليغ هذا المحضر.

- وعد  الوعد ببيع العقارات

 في قرار  مؤرخ في 2 فيفري  2023 ملف رقم 1421936، أعطت المحكمة العليا تفسيرها لنص  المادة 71 فقرة 2 من القانون المدني المتعلقة بشكلية  الوعد بالبيع. طبقا  لهذه المادة:" الإنفاق الذي يعد له  كلا المتعاقدين  أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا يكون له أثر إلا إذا عينت  جميع المسائل الجوهرية للعقد  المراد إبرامه و المدة التي يجب إبرامه فيها.  و إذا اشترط القانون  لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق أيضا على الاتفاق المتضمن الوعد بالتعاقد ."

في القضية  التي عرضت على رقابة المحكمة العليا  يتعلق الأمر  بوعد ببيع  قطعة أرضية   تم إبرامه أمام موثق  حيث رفض الواعد إتمام البيع النهائي .عرض  الموعود له  قضيته  أمام مجلس قضاء تيبازا إثر استئنافه للحكم الصادر  عن محكمة الشراقة القاضي برفض دعواه  لعدم  التأسيس فالتمس إلغاء هذا الحكم و التصدي و  القضاء من جديد   بإلزام الواعد بتنفيذ الوعد بالبيع  بمثوله  أمام الموثق لإبرام  عقد البيع النهائي.  مجلس قضاء تيبازا قضى برفض دعوى الموعود له بحجة أن عقد الوعد بالبيع  لم يخضع لإجراء الشهر العقاري.    المحكمة العليا  نقضت و أبطلب قرار مجلس قضاء تيبازا  على أساس أنه خلافا لعقد بيع عقار فإن الوعد ببيع عقار  لا يخضع للشهر العقاري  و أما مصطلح " الشكلية " المنصوص عليها في المادة 71 من القانون لمدني فيقصد منه الرسمية التي  تستوجب تحرير عقد الوعد بالبيع أمام الموثق و ليس الشهر العقاري. 

- تقادم الدعاوى الناشئة  عن السفتجة 

طبقا  للمادة 461 من القانون التجاري : " جميع  الدعاوى الناشئة  عن السفتجة  و المرفوعة على قابلها  تسقط بمضي  ثلاثة أعوام  من تاريخ الاستحقاق " . في قرار مؤرخ في 29 سبتمبر 2021، ملف رقم 15342177  دققت  المحكمة العليا قواعد  تطبيق التقادم  الثلاثي  على السفتجة . في هذا الصدد فإن المحكمة العليا تميز بين  السفتجة حينما تقدم  كدليل إثبات و السفتجة حينما تقدم كسند  تنفيذي. إذا كانت  الدعوى الموجهة  ضد  المسحوب عليه  ترمي إلى إلزامه  بتنفيذ  السفجة  فإنه يجب رفع هذه الدعوى في مهلة 3 سنوات تحت طائلة عدم قبولها. بالعكس إذا  قدمت السفتجة في ملف الدعوى  كدليل إثبات  الدين  فإن المدعى عليه يكون غير مقبول في الدفع بالتقادم الثلاثي  المنصوص عليه في المادة 461 من القانون التجاري  إذ في هذه الحالة يسري التقادم  العادي للمادة  308 من القانون أي 15 سنة.      

- تنفيذ  عقود القرض و سندات الأمر  المحررة في بلد اجني

وفقا لقضائها السابق قضت المحكمة العليا أنه على غرار  كل العقود و السندات الرسمية   المحررة في بلد أجنبي  التي لا  تكون قابلة  للتنفيذ في الجزائر  إلا إذا تم  إمهارها بالصيغة التنفيذية  من طرف القضاء الجزائري  و ذلك طبقا لأحكام المادة 606 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فإن عقود  القرض و  سندات الأمر  المحررة في بلد أجنبي تخضع لشكلية الإمهار بالصيغة التنفيذية حتى تكون قابلة للتنفيذ في الجزائر..

في قرار  مؤرخ في  29 ديسمبر 2022، ملف رقم  1564471 قضت المحكمة العليا بأن قرار مجلس قضاء الجزائر العاصمة الذي ألغى الحكم الصادر عن محكمة حسين داي  قد طبق القانون تطبيقا صحيحا  حينما رفض  الدعوى الرامية  إلى تثبيت أمر الحجز  التحفظي على حصص اجتماعية لشركة ذات المسؤولية المحدودة  التي يوجد مقرها بالجزائر المتخذ بعنوان  الديون المستحقة  تنفيذا  لاتفاقية قرض  و سند الأمر  محررين في بلد أجنبي. بالنسبة للمحكمة العليا  فإنه في غياب حكم صادر عن جهة قضائية جزائرية  يقضي بإمهار  عقد القرض و  سند الأمر  بالصيغة التنفيذية  فإن هذين السندين ليس لهما أي  حجية قانونية  في الجزائر و من ثمة  فإنه لا يجوز رفع دعوى قضائية  أمام لجهة قضائية جزائرية   بغرض ا استصدار أمر حجز على أموال المدين  فقط على أساس هذين المستندين الغير الخاضعين لإجراء الامهار بالصيغة التنفيذية.

- عزل  مسير الشركة ذات المسؤولية المحدودة

طبقا لأحكام المادة 579 من القانون التجاري، يمكن عزل  مسير الشركة ذات المسؤولية المحدودة  بقرار من الشركاء الممثلين أكثر من نصف رأسمال الشركة و يعتبر كل شرط مخالف لذلك كأن لم يكن . من جهة أخري و تطبيقا لنفس المادة  يجوز أيضا عزل المسير  من طرف المحاكم  لسبب قانوني بناء على طلب كل شريك.

في القضية التي فصلت فيها  المحكمة العليا في قرارها  الصادر بتاريخ  23 فبراير 2023   ملف رقم 1614774، يتعلق الأمر بدعوى رفعت أمام المحكمة التجارية  من قبل شركاء   في شركة ذات المسؤولية المحدودة  موضوعها إلغاء قرار الجمعية العامة غير العادية  المتضمن رفع رأس مال الشركة و عزل المسير. إثر استئناف حكم قاصي الدرجة الأولى ، قضى مجلس قضاء ميلة  بإلغاء قرار الجمعية العامة الاستثنائية على أساس أنه من جهة  فإن القانون الأساسي للشركة  ينص على  أنه لا يجوز عزل المسير إلا بموجب حكم قضائي  و من جهة أخري فإن الجمعية العامة الاستثنائية  التي قررت رفع رأس مال الشركة  لم تنعقد  برئاسة المسير  كما ينص على ذلك القانون الأساسي للشركة.         

لا شك في أن قرار مجلس قضاء ميلة هو على أقل قرار مرتبك  كون  نص المادة 579 من القانون التجاري واضح  لا يترك مجالا لأي تفسير أو تأويل  كونه ينص صراحة على إمكانية عزل  مسير الشركة ذات المسؤولية المحدودة  بقرار من الشركاء الممثلين أكثر من نصف رأسمال الشركة كما ينص أن كل شرط مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن .كون المادة 14 من القانون الاساس للشركة ذات المسؤولية المحدودة  خرقت أحكام المادة 579 من القانون التجاري  حينما منعت عزل المسير من قبل الشركاء الذين يمثلون أكثر من نصف رأسمال الشركة فإنه يجب اعتبار هذه المادة 14 كأن لم تكن ، و عليه فإنه كان على مجلس قضاء ميلة فقط مراقبة ما إذا كان المسير قد تم عزله بقرار من الشركاء الذين يمثلون أكثر من  نصف رأسمال الشركة  و هذا هو حال القرار الذي اتخذ في الجمعية العامة الاستثنائية  الذي  اتخذ من طرف الشركاء الذين يمثلون 80 % من رأسمال الشركة  و بالنتيجة كان على هذا المجلس رفض طلب إلغاء قرار الجمعية العامة الاستثنائية و هذا ما قضى به قرار المحكمة  العليا المؤرخ في 23 فيفري 2023.

- إشكالية  ترجمة المستندات المحررة  باللغة الأجنبية

 في مقال سابق نشر على هذا الموقع تم التطرق إلى  الإشكال الذي يطرحه  تطبيق أحكام المادة  8 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تلزم المتقاضي تقديم الوثائق و المستندات المحتج بها  باللغة العربية  أو مصحوبة  بترجمة رسمية  إلى هذه  اللغة  و هذا تحت طائلة عدم القبول.  تفعيل  هذا النص الذي يطبق حتى على الوثائق و المستندات الرسمية المحررة باللغة الفرنسية الصادرة عن  مؤسسات و هيئات رسمية جزائرية   يضع المتقاضين على المحك، لا سيما فيما يتعلق بالتكاليف  المالية الناتجة عن عملية الترجمة التي قد تكون معتبرة. في بعض المنازعات، على غرار منازعات الصفقات العمومية أو  منازعات البنوك و المؤسسات المالية حيث يكون  حجم المستندات  المحتج بها ضخة   و هي في أغلب الأحيان تكون محررة باللغة الفرنسية  فيجب ترجمتها إذا أراد المتقاضي الاحتجاج بها  أمام القاضي ، فانه لا شك أن هذا الإجراء قد يشكل عائقا بالنسبة لبعض المتقاضين ذوي الدخل المتواضع  فيما أن مصاريف الترجمة مستبعدة عمليا من المساعدة القضائية.

 للتخفيف إلى حد ما من هذه المعضلة حاولت المحكمة العليا  من خلال  منافذ  قانونية    متميزة استبعاد التطبيق الآلي و المتشدد لشكلية الترجمة و ذلك  بحث قضاة الموضوع  اللجوء إلى السلطات الواسعة التي خولها لهم القانون.في قرارها  الصادر في 8 سبتمبر 2022 ملف رقم 1572725، قضت المحكمة العليا أولاً  أنه يترتب على عدم تقديم الوثائق و المستندات باللغة العربية أو مصحوبة بترجمة رسمية عدم قبولها و ليس رفض الدعوى لعدم التأسيس. من جهة أخرى قضت بأنه بدلا من التصريح  بعدم قبول الدعوى  لعدم تقديم نسخة مترجمة للمستندات المحررة باللغة الأجنبية  فإنه بإمكان القاضي  و في إطار ما له من دور إيجابي في تسيير الخصومة و من السلطات الواسعة المخولة له قانونا أن يأمر شفهيا بإحضار أية وثيقة يراها ضرورية لحل النزاع و هذا  طبقا  لأحكام  المادة 27 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  كما يجوز له أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان بتقديم المستند المترجم  و هذا طبقا للمادة 62 من نفس القانون. في قرار سابق ( قرار مؤرخ في 5 ماي 2016 ملف رقم 0980947) طبقت المحكمة  العليا نفس المبادئ إذ قضت بأن تقديم  مستندات محررة باللغة الأجنبية  غير مرفقة بترجمة إلى اللغة العربية يترتب عليه  عدم القبول و ليس رفض الدعوى لعدم التأسيس، و أنه لا يجوز للقاضي إثارة الدفع بعدم ترجمة مستند من تلقاء نفسه  بل يجب أن يثار من قبل  الأطراف، و أنه في كل الأحوال  فإن الدفع بعدم ترجمة المستندات المحرر باللغة الأجنبية  يكون غير منتج إذا كلن الطرف الذي  تمسك بهذا الدفع   هو نفسه  من حرر هذه المستندات .

الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى مجلس قضاء البويرة

brahimimohamed54@gmail.com