كرس مجلس الدولة قضائه السابق إذ قضى أنه حتى و إن كان هذا القضاء يسمح لمصدر القرار الإداري أن يتراجع عن هذا القرار و يسحبه عن طريق إلغائه خلال المدة القانونية المخولة للمتقاضين في الطعن بالإلغاء و هي مدة 4 أشهر ، فإنه قيد هذا السحب بشرطين: يجب أن يتم التراجع عن القرار الإداري خلال الأجل المخول لدعوى طلب الإلغاء ( 04 أشهر) و أن تكون ثمة أسباب جدية تستدعي مثل هذا التراجع يراقبها القضاء الإداري. في الدعوى التي عالجها القرار المؤرخ في 20 أكتوبر 2016 اعتبر مجلس الدولة أن قرار تجميد رخصة البناء المتخذ من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي ليس بقرار سحب رخصة البناء ، و حتى و إن أمكن اعتباره كذلك فهو صدر بعد أكثر من 04 أشهر من صدور رخصة البناء ، و من جهة أخرى فإن هذا القرار يستند إلى سبب وجود خصومات بشأن القطعة الأرضية موضوع رخصة البناء و هذا تبرير غير مقبول كون رئيس البلدية تجاوز صلاحياته الإدارية و نصب نفسه هيئة قضائية تفصل في المنازعات حتى و لو كان الإجراء الذي اتخذه هو إجراءا تحفظيا و احترازيا.
2-3- عدم قانونية إلغاء رخصة البناء من قبل والي الولاية
في قرار مؤرخ في 17 نوفمبر 2016، ملف رقم 112233، قضى مجلس الدولة بأنه لا يحق لوالي ولاية إلغاء رخصة بناء صادرة عن رئيس مجلس شعبي بلدي. وقائع هذا الملف تتلخص في أن والي ولاية مستغانم أصدر قرارا يتضمن إلغاء رخصة بناء أصدرها رئيس المجلس الشعبي البلدي بسبب أن هذه الرخصة سلمت لصاحبها من طرف البلدية دون استشارة المصالح التقنية لمديرية التعمير و البناء و دون احترام المخطط التوجيهي كما أن الأرض المشمولة برخصة البناء خصصت لبناء سكنات اجتماعية .
قدم المستفيد من رخصة البناء الملغاة طعنا بالإلغاء ضد قرار والي الولاية و فصلا في هذا الطعن أصدرت المحكمة الإدارية بمستغانم حكما استجابت فيه لهذا الطلب. فصلا في الاستئناف الذي رفعه والي الولاية ضد حكم المحكمة الإدارية أصدر مجلس الدولة القرار المؤرخ في 17 نوفمبر 2016 قضى بتأييد هذا الحكم على أساس أن قرار والي الولاية هو قرار مشوب بتجاوز السلطة، كما أنه ليس من صلاحيات الوالي إلغاء القرارات الإدارية التي ليس هو صاحبها. اعتبر مجلس الدولة كذلك أنه حتى في افتراض أن رخصة البناء قد تم تسليمها من طرف رئيس البلدية دون احترام و استشارة مصالح مديرية التعمير فإن إلغائها أو سحبها يكون عن طريق القضاء وحده.
3-3- عدم قانونية قرار والي الولاية المتضمن هدم بناية
في قرار مؤرخ في 20 جوان 2019، ملف رقم 133493، فصل مجلس الدولة في طعن موجه ضد قرار والي ولاية الجزائر يتضمن الترخيص بهدم بناية معدة للسكن. لتبرير قراره بهدم البناية ادعى والي الولاية أن صاحب هذه البناية لا يحوز على سند ملكية ، كما أن قرار الاستفادة من القطعة الأرضية المشيد عليها البناية الصادرة عن رئيس البلدية غير مسجل و غير مشهر و مخالف للقانون رقم 90-25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 المتضمن التوجيه العقاري . فصلا في الطعن بالبطلان الموجه ضد قرار والي الولاية أصدرت المحكمة الإدارية للجزائر حكما مؤرخا في 20 جوان 2016 استجابت لهذا الطعن إذ قضت بإبطال قرار الوالي .إثر استئناف حكم المحكمة الإدارية من طرف والي الولاية أصدر مجلس الدولة القرار المؤرخ في 20 جوان 2019 قضي بتأييد الحكم المستأنف بسبب أنه من جهة فإن مالك البناية استفاد بالقطعة الأرضية المنجز عليها البناية بموجب مداولة المجلس الشعبي البلدي المجسدة بقرار استفادة صادر عن ولاية الجزائر و من جهة أخرى فإن والي الولاية يدفع بأن قرار الاستفادة هو قرار باطل فيما أنه لم يتخذ أي إجراء قانوني أمام الجهة القضائية المختصة لفحص مشروعية هذا القرار.
4-3- منح رخصة البناء دون مراعاة قواعد التهيئة و التعمير
يخضع قرار منح رخصة البناء لشروط نصت عليها قوانين وأنظمة خاصة لا سيما يخضع لأحكام القانون المتعلق بالتهيئة و التعمير . من جهة أخرى لا يجوز منح رخصة بناء إذا كان البناء المخطط له يمس بمحيط الحماية حول المنشآت و الهياكل الأساسية التي قد يتعرض عملها و أمنها مباشرة أو غير مباشرة لأخطار أو مضايقات بمفهوم المرسوم رقم 84-105 المؤرخ في 12 ماي 1984.
في قرار مؤرخ في 19 سبتمبر 2019 ملف رقم 136223 فصل مجلس الدولة في طعن بالإلغاء موجه ضد رخصة بناء مسلمة من طرف رئيس بلدية بجاية إلى شركة خاصة لغرض إنجاز محطة متعددة الخدمات قرب محطة تابعة للشركة الوطنية لنقل الكهرباء. فصلا كجهة قضائية للدرجة الأولى قضت المحكمة الإدارية ببجاية بإلغاء قرار رئيس البلدية المتضمن منح رخصة البناء على أساس الخبرة التي سبق و أن أمرت بها . عند نظره في استئناف حكم المحكمة الإدارية أصدر مجلس الدولة القرار المؤرخ في 19 سبتمبر 2019 قضى بتأييد الحكم للمستأنف على أساس أن الخبير الذي عينته المحكمة الإدارية عاين عدم احترام مسافة 20 متر المقررة للمنشآت التابعة لقطاع الكهرباء و هذا ما يشكل خرق لأحكام المرسوم رقم 84-105 و القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 15 جانفي 1986.
4- مسئولية الإدارة
1-4- مسؤولية المستشفى عن الخطأ المرفقي
قضى مجلس الدولة في قرار مؤرخ في 20 فيفري 2014 ملف رقم 88725 بأن مسؤولية المؤسسة الاستشفائية العمومية تكون قائمة في حالة ارتكاب خطأ مرفقي المتمثل في عدم أخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على السلامة البدنية للمريض الموجود تحت مسؤوليتها.
يتعلق الأمر في هذا الملف الذي عرض على رقابة مجلس الدولة بوفاة مريض وقع في ظروف غير مألوفة بمستشفى بعد أن دخل إليه في حالة مستعجلة.هذا المريض الذي وضع تحت الرعاية الطبية بعد دخوله مصلحة الاستعجالات عثر عليه في صباح الغد ميتا فوق مقعد خشبي خارج المستشفى و بمحاذاته . إثر هده الوفاة رفع ذوي حقوق المتوفي دعوى تعويض أمام المحكمة الإدارية . فصلا في هذه الدعوى أصدرت المحكمة الإدارية حكما قضت فيه بإلزام المستشفى بدفعه لذوي حقوق المتوفي تعويضا نقديا. رفع المستشفى استئناف في حكم المحكمة الإدارية و فصلا فيه أصدر مجلس الدولة القرار المؤرخ في 20 فيفري 2014 قضى فيد بتأييد الحكم المستأنف على أساس أن المستشفى ارتكب خطأ مرفقيا كون الضحية دخلت مصلحة الاستعجالات نتيجة لتدهور حالته الصحية و بقي تحت الرعاية الطبية إلا أنه عثر عليه في صباح الغد ميتا فوق مقعد خشبي مما يجعل المستشفى مسئولا لأنه لم يرخص للمرحوم بالخروج فكان عليه أخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على السلامة البدنية للمريض الموجود تحت مسؤوليته.
ارتأى مجلس الدولة في قراره التوسع في شرح مفهوم الخطأ المنشئ للمسؤولية إذ قضى بأن الخطأ الذي ارتكبه المستشفى في الدعوى التي عرضت عليه ليس خطأ طبيا بل هو خطأ مرفقيا علما أن الفرق بين الخطأين يكمن في طبيعة الفعل مصدر الضرر و الشخص المسئول عن هذا الضرر . الخطأ المرفقي الذي يترتب عليه مسؤولية المؤسسة الاستشفائية ، سواء كان تابعا للقطاع العام أو للقطاع الخاص يتعلق بالأخطاء المرتبطة بتنظيم أو تسيير هذه المؤسسة . و أما الخطأ الطبي فإنه يحيل إلى الخطأ الذي يرتكب من طرف مهنيي الصحة أثناء تأدية مهامهم و الذي قد يجعل مسؤولياتهم المدنية و حتى الجزائية قائمة . الخطأ المرفقي يستتبع إذا المسؤولية الجماعية للمؤسسة الاستشفائية فيما أن الخطأ الطبي يترتب عليه مسؤولية فردية لمهني الصحة . بالنسبة لطبيعة الخطأ فإن القضاء الحالي أقر تمييزا : إذا سئلت المؤسسة الاستشفائة عن مسؤوليتها بسبب نشاطات غير مرتبطة بالعمل الطبي كما هو الحال في القضية التي عالجها قرار مجلس الدولة المؤرخ في 20 فيفري 2014 أو كذلك إذا تعلق الأمر بعمل طبي بسيط كالحقنات أو الضمادات فإنه يكفي إثبات ارتكاب خطأ بسيط لتكون مسؤولية المؤسسة الاستشفائية قائمة. و لكن بالنسبة للأعمال الطبية بحصر المعنى فإن مسؤولية المؤسسة الاستشفائية تكون قائمة فقط في حالة ثبوت خطأ جسيم أي خطأ ذو خطورة متميزة.
2-4- إثبات الخطأ الطبي
مبدئيا يتم إثبات الخطأ الطبي المنشئ للمسؤولية عن طريق خبرة يقوم بها طبيب أو هيئة أطباء يتم تعيينهما من طرف المحكمة لهذا الغرض. و لكن في بعض الحالات، فإن تقرير الطبيب الشرعي الذي عاين فيه وجود علاقة سببية مباشرة بين الضرر و الخطأ الطبي يكفي فلا داعي للأمر بخبرة طبية. فالطبيب الذي فحص امرأة و كشف بواسطة جهاز سكانر أن ضمادات تركت ببطنها أثناء عملية قيصرية الشيء الذي نتج عنه تدهور حالتها الصحية ثم استئصال جزء من المصران الخشن بسبب التعفن يكفي لإثبات مسؤولية المؤسسة الاستشفائية التي أجرت العملية القيصرية دون حاجة إلى اللجوء إلى خبرة طبية فالشهادة الطبية المحررة من قبل الطبيب الشرعي تكفي. هذا ما قضى به مجلس الدولة في قرار مؤرخ في 18 سبتمبر 2014 ملف رقم 93536.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى مجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54@gmail.com