1- شروط إتباع نظام أوامر الأداء
تنص المادة 306 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي: "خلافا للقواعد المقررة في رفع الدعاوى، يجوز للدائن بدين من النقود، مستحق وحال الأداء ومعين المقدار وثابت بالكتابة، لا سيما الكتابة العرفية المتضمنة الاعتراف بدين أو التعهد بالوفاء أو فاتورة مؤشر عليها من المدين، تقديم طلب في شكل عريضة على نسختين، إلى رئيس المحكمة". يظهر من هذا النص أن شروط هذا الإجراء المتميز تنحصر فيما يلي:
- أن يكون الحق دينا محله مبلغا من النقود، كأن يطلب المؤجر إلزام المستأجر بدفع أجرة الإيجار، أو يطالب البائع بإلزام المشتري بدفع ثمن المبيع،
- أن يكون الدين معين المقدار، كأن يطلب البائع مبلغ مائة ألف دينار وهو ثمن المبيع .فإذا كان الدين غير محدد المقدار، يجب إتباع الإجراءات العادية للخصومة،
- أن يكون الدين مستحق وحال الأداء، فلا يجوز استصدار أمر أداء بدين اتفق على تسديده مستقبلا،
- أن يكون الدين ثابتا بالكتابة، كأن يكون الدين ممثل في شيك أو في سفتجة أو في سند الأمر.
خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية أورد أمثلة عن الديون التي يمكن تحصيلها عن طريق أمر الأداء، وهي الديون الثابتة بالكتابة، لا سيما الكتابة العرفية المتضمنة الاعتراف بدين أو التعهد بالوفاء أو فاتورة مؤشر عليها من المدين.
2- إجراءات أوامر الأداء
1-2 الاختصاص
النصوص الجديدة أسندت لرئيس المحكمة صلاحية إصدار أوامر الأداء. واختصاص رئيس المحكمة في هذا المجال هو في رأينا اختصاصا مانعا ومطلقا بمعنى لا يجوز لأي قاض آخر النظر في الطلبات الخاصة بهذه المادة. فإذا رفع إلى قاض غير رئيس المحكمة طلب باستصدار أمر أداء، فيجب على هذا القاضي التصريح بعدم اختصاصه من تلقاء نفسه.
قانون الإجراءات المدنية القديم كان لا يجيز إصدار أمر الأداء إذا كان سيجري تبليغه في الخارج، أو إذا لم يكن للمدين موطنا أو محل إقامة معروف في الجزائر (المادة 177 القديمة). قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يمدد هذه النصوص ولم يوضح ما إذا كان يجب أن يكون للمدين موطنا أو محل إقامة معروف في الجزائر. يكفي إذا طبقا للنصوص الجديدة، أن يكون للمدين الذي يسكن في الخارج أن يملك في الجزائر مكتبا أو مسكنا.
رئيس المحكمة المختص إقليميا للفصل في طلب إصدار أمر الأداء هو رئيس المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها موطن المدين، وهذا ما نصت عليه المادة 306 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. المادة 306 لم توضح ما إذا كان هذا الاختصاص الإقليمي اختصاصا مانعا أم لا، ولذلك نعتقد أنه يجوز للأطراف إن كانوا تجار الاتفاق على منح الاختصاص إلى رئيس محكمة غير المحكمة المختصة عادة، وهذا عملا بالمادة 45 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
2-2 إجراءات رفع الطلب
إذا قرر المدين اللجوء إلى الإجراءات المبسطة المتعلقة بأمر الأداء، فإنه يقدم إلى رئيس المحكمة طلب في شكل عريضة على نسختين تحتوي على ما يلي:
- اسم و لقب الدائن وموطنه الحقيقي أو المختار في الجزائر،
- اسم و لقب المدين وموطنه الحقيقي أو المختار في الجزائر،
- ذكر تسمية وطبيعة الشخص المعنوي ومقره الاجتماعي وصفة ممثله القانوني أو الاتفاقي،
- عرض موجز عن سبب الدين ومقداره.
وترفق بالعريضة كل المستندات المثبتة للدين.
3-2 إجراءات إصدار أمر الأداء
بعد تقديم الطلب من طرف المدعي بالحق، ينظر رئيس المحكمة في هذا الطلب في غرفة المشورة أي في مكتبه دون حضور الأطراف. ويتخذ قرارا في شأنه إما بإصداره لأمر الأداء، وإما برفضه، وذلك خلال أجل أقصاه خمسة أيام من تاريخ إيداع الطلب
إذا اعتبر رئيس المحكمة أن الطلب غير مؤسس، فإنه يصدر أمرا بالرفض. وفي هذه الحالة، لا يجوز للطالب الطعن في الأمر الصادر بالرفض ويبقى له فقط إتباع الإجراءات المعتادة أمام قاضي الموضوع و هذا طبقا للمادة 307 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية
و بالعكس إذا تبين لرئيس المحكمة أن الدين ثابت، فإنه يصدر أمرا يتضمن إلزام المدين بالوفاء بمبلغ الدين والمصاريف. ويجب أن يكون أمر الأداء مسببا ككل الأوامر على العرائض. بعد التوقيع على أمر الأداء من طرف رئيس المحكمة، يسلم رئيس أمناء الضبط إلى الدائن نسخة رسمية منه .
يتم تبليغ المدين بأمر الأداء على يد محضر قضائي، ويكلف بالوفاء بأصل الدين والمصاريف في أجل خمسة عشرة يوما. ويجب أن يشار في التكليف بالوفاء، تحت طائلة البطلان، بأن للمدين حق الاعتراض على أمر الأداء في أجل خمسة عشرة يوما تبدأ من تاريخ التبليغ الرسمي .والإجراءات اللاحقة لإصدار أمر الأداء تختلف حسبما قدم اعتراض في هذا الأمر أم لا.
4-2 الاعتراض على أمر الأداء
طبقا للمادة 308 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية يجوز للمدين أن يرفع اعتراض على أمر الأداء في أجل خمسة عشرة يوما تبذأ من تاريخ التبليغ الرسمي. هذا الطعن ضد أمر الأداء قبل إمهاره بالصيغة التنفيذية هو الطعن الوحيد الذي يجوز رفعه، فكل الطعون الأخرى تكون غير مقبولة. تقيد عريضة الاعتراض على أمر الأداء لدى أمانة الضبط بعد دفع الرسوم المقررة قانونا .
طبقا للمادة 308 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن الاعتراض على أمر الأداء يقدم بطريق الاستعجال أمام القاضي الذي أصدره أي أمام رئيس المحكمة. قانون الإجراءات المدنية والإدارية أقر في هذا المجال إصلاحا هاما وفي نفس الوقت مفيدا. في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم فإن الاعتراض على أمر الأداء كان يجب تقديمه أمام قاضي الموضوع الشيء الذي ينزع لأمر الأداء كل فعاليته، وذلك لأنه عمليا فإن الأغلبية الساحقة لأوامر الأداء تنتهي أمام قاضي الموضوع إثر الطعن فيها. لإحياء الروح الذي كان وراء إنشاء نظام أوامر الأداء، أي السرعة في الفصل، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية أسند لقاضي الأمور المستعجلة النظر في الاعتراضات على أوامر الأداء.
إذا أراد المدين المحكوم عليه الاعتراض على أمر الأداء، فعليه طبقا للمادة 308 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن يقدم طلبه إلى رئيس المحكمة على شكل دعوى استعجاليه. وإذا رفع الاعتراض، فإن أمر الأداء يصبح غير قابلا للتنفيذ كون للاعتراض أثر موقف طبقا للمادة 308 الفقرة 5 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. الأمر الاستعجالي الصادر إثر الاعتراض ليس له طابع الأوامر الاستعجالية العادية إذ أنه يفصل في موضوع النزاع و يحوز حجية الشيء المقضي فيه، أي أنه أمر استعجالي من النوع الذي يدخل في تعريف المادة 300 من قانون الإجراءات المدنية والإداري.الأمر الاستعجالي الصادر إثر الاعتراض في أمر الأداء يكون طبعا معجل النفاذ ككل الأوامر الاستعجالية.
يفصل رئيس المحكمة في الاعتراض على أمر الأداء وفقا للإجراءات والقواعد المطبقة أمام قاضي الموضوع وقاضي الأمور المستعجلة على حد سواء فيما لا يتعارض بينهما. يكلف المدعى عليه عن طريق محضر قضائي للجلسة المقررة للقضايا الاستعجالية. ويجب أن يشمل التكليف بالحضور للجلسة كل الأطراف بما فيهم الذين لم يقدموا اعتراض.يفصل رئيس المحكمة في الاعتراض على ضوء الأدلة التي يقدمها المدعي عليه والتي تثبت حقيقة الدين المدعى به.
خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصوصا تعالج إشكالية التخلف عن الحضور (تخلف الطرفين أو تخلف طرف واحد). المادة 179 من قانون الإجراءات المدنية القديم كانت تنص أنه في حالة التخلف عن الحضور يفصل القاضي في الدعوى، ولو من تلقاء نفسه وبعد أن يتثبت من علم الوصول، بموجب حكم تكون له آثار الأحكام الحضورية. أمام هذا الفراغ فإنه يرجع للقواعد العامة التي تحكم التخلف عن الحضور . الإشكال الذي يطرح في هذا المجال يخص حالة امتناع المدعي عن تكليف خصمه بالحضور للجلسة. ففي افتراض أن المدعى عليه لم يحضر الجلسة ولم يقدم المدعي محضر تكليفه بالحضور رغم تأجيل القضية، فما هو مـٱل أمر الأداء المعارض فيه؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يقدم حلا خاصا لهذا الإشكال، ولذلك يجب تطبيق المادة 216 التي تنص على شطب الدعوى في حالة عدم القيام بالإجراءات الشكلية، لا سيما في حالة عدم تكليف المدعى عليه بالحضور للجلسة. وعدم قيام المعترض بتكليف خصمه بالحضور للجلسة، والذي كما قلنا ينتج عنه شطب الدعوى، يستتبع حيازة أمر الأداء قوة الشيء المقضي فيه إذا كان أجل الاعتراض قد انقضى منذ صدور الأمر القاضي بالشطب أو أن المدعي لم يرفع اعتراض جديد في المدة المتبقية من أجل الاعتراض.
الأمر الاستعجالي الصادر إثر الاعتراض يقوم مقام أمر الأداء. ويفصل رئيس المحكمة في الاعتراض على أمر الأداء بأمر استعجالي قابل للاستئناف إذا تعدت القضية نصاب اختصاص المحكمة الابتدائي النهائي أي إذا كان الدين يفوق مبلغ مائتي ألف دينار . وإذا صدر الأمر الاستعجالي ابتدائيا ونهائيا أي عندما يكون مبلغ الدين لا يتعدى مائتي ألف دينار ، فإنه لا يمكن استئنافه ويبقى فقط طريق الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا. اذا رفض الاعتراض أو تنازل المدعي عنه أو لم يقدم اعتراض، فإن أمر الأداء هو الذي ينفذ.
إذا لم يرفع الاعتراض في الأجل المحدد، أي في أجل خمسة عشرة يوما من تاريخ التبليغ، فإن الإجراءات تتواصل بسرعة. يحوز أمر الأداء في هذه الحالة قوة الشيء المقضي فيه. يرجع طبعا للدائن طلب إمهار أمر الأداء بالصيغة التنفيذية، ويقدم هذا الطلب إلى رئيس أمناء الضبط الذي يقوم بهذا الإجراء بعد تقديم طالب التنفيذ شهادة عدم اعتراض .
طبقا للمادة 309 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية فإن كل أمر أداء لم يطلب إمهاره بالصيغة التنفيذية خلال سنة واحدة من تاريخ صدوره يسقط و لا يرتب أي اثر.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي