هذه الجلسة التي أسفرت على جملة من القواعد و الإجراءات التي يجب إتباعها عند الفصل في قضية جنائية مرفوعة أمام محكمة الجنايات الاستئنافية تستوجب بعض الملاحظات . قبل عرض هذه الملاحظات نقدم النص الكامل للمداولة المتضمنة توجيهات المحكمة العايا حول طريقة حل الإشكالات الأكثر إثارة في القضايا التي تطرح أمام محكمة الجنايات الاستئنافية
نص المداولة
تبعا لاجتماع قضاة الغرفة الجنائية المنعقد يوم 16 جانفي 2018 لإتمام مناقشة المواضيع التي تم تأجيل الفصل فيها خلال الاجتماع الأول تحت إشراف السيد الرئيس الأول للمحكمة العليا وبعد دراسة قام بها رئيس الغرفة الجنائية لهذه المواضيع تمت مناقشتها في هذا الاجتماع تم الاتفاق على المبادئ التالية.
1ـ القاعدة العامة هي أن الاستئناف لا يجوز إلا في الأحكام الجنائية الحضورية غير أن الحكم الغيابي الذي بلغ للمتهم ولم يعارض فيه يغلق الطريق على النيابة من أجل السير بالدعوى وهو ما جعل المشرع يجيز لها استئنافه بعد انتهاء أجل المعارضة ولم يجز ذلك للمتهم مما يترتب عنه القضاء بعدم جواز استئنافه إن قام به لأن عدم معارضته يعني قبول ما قضى به الحكم الغيابي.
2ـ لم ينص المشرع على استئناف النائب العام للحكم الجنائي مثلما هو مقرر في مادة الجنح خلال شهرين ابتداء من يوم النطق به كما لم ينص على الاستئناف الفرعي لجميع الأطراف فإن تم ذلك كان غير جائز.
3ـ للاستئناف أثر ناقل للدعوى لكن في حدود ما أراد المستأنف نقله إلى الدرجة الثانية من جهة وصفته من جهة أخرى. فإن كان المتهم أو الطرف المدني مستأنفا وحده لا تجوز إساءة وضعيته وما قضى به لصالحه في الدرجة الأولى صار حقا مكتسبا لا تجوز مراجعته وتلخيصا لهذه المبادئ تقرر مايلي:
أولا: أن استئناف النيابة يعيد طرح القضية مجددا على مستوى الجهة الاستئنافية برمتها في الدعوى العمومية مع إتباع نفس الإجراءات أمام الدرجة الأولى بما فيها استخراج الأسئلة الأصلية بكاملها من منطوق قرار الإحالة سواء استأنف معها المتهم أو لم يستأنف ويجوز لجهة الاستئناف أن ترفع العقوبة أو تخفضها أو تضيف عقوبات أخرى آو تقضي بالبراءة وكأنها تنظر القضية لأول مرة. علما بأن استئناف النيابة لا يحول دون القضاء بالبراءة أو تخفيض العقوبة عكس ما كانت ترمي إليه من خلال استئنافها لأجل تشديد العقوبة. فالمشرع نص على عدم إساءة وضعية المتهم أو الطرف المدني المستأنف وحدو وهذه القاعدة لا تعني النيابة.
ثانيا: إذا استأنف المتهم وحده غي الدعوى العمومية وكان الحكم المستأنف قد أدانه بجميع الجرائم المتابع بها تطرح الأسئلة من جديد حولها وقد تكون الإجابة عنها متطابقة مع ما أجابت عليه محكمة الدرجة الأولى كما قد تكون كذلك في بعضها و مختلفة في بعضها الأخر فالمحكمة الاستئنافية في هذه الحالة تقضي بنفس العقوبة المقضي بها في الدرجة الأولى إذا كانت متماشية مع ما تمت إدانته في الدرجة الثانية أو تخفيضها ولا يجوز لها رفعها. كما يجوز لها القضاء بالبراءة أن هي أجابت على جميع الأسئلة بالنفي.
ثالثا: إذا كانت محكمة الدرجة الأولى أدانته ببعض الجرائم وبرأته من البعض الأخر فإن المبرأ منها يصبح حقا مكتسبا لا تجوز مناقشته في غياب استئناف النيابة ولا يطرح سؤال عن ذلك بل يطرح حول ما أدين به فقط مستخرجا من منطوق قرار الإحالة وهذا طبقا لحدود الاستئناف المنصوص عليه قانونا وتكون الإجابة عليه نفيا أو إيجابا فإن كانت بالإيجاب لا يجوز رفع العقوبة المقضي بها في الدرجة الأولى أو إضافة عقوبات لم يقض بها في نفس الدرجة.
رابعا: إذا كانت محكمة الدرجة الأولى قد أعادت وصف واقعة وأدانت المتهم بها وبرأته من الوصف الأشد الوارد في منطوق قرار الإحالة فإن براءته من الوصف الأصلي صار حقا مكتسبا في غياب استئناف النيابة ولم يبق لمحكمة الاستئناف غير طرح السؤال حول الوصف الذي أدين بها أو وصف ﺁخر تراه مناسبا شرط ألا يكون أشد من المحكوم به في الدرجة الأولى و الإجابة عليه نفيا أو إيجابا دون رفع العقوبة في حالة الإدانة، ذلك أن المتهم المستأنف وحده رغم براءته من الوصف الأصلي لم يقبل بالإدانة وفقا للوصف الجديد والذي يتعين على جهة الاستئناف أن تعيد الفصل فيه. أما الوصف الأصلي فقد صار أمرا لا رجعة فيه وحقا مكتسبا للمتهم بخلاف ما لو كان الوصف الاحتياطي أشد من الأصلي فإن هذا الأخير هو الذي يطرح مرة أخرى على مستوى الاستئناف.
خامسا: إذا كانت محكمة الدرجة الأولى قد أدانته بوصف عقوبته أشد بعد تعديل التهمة أي أضافت له ظروفا مشددة وهو محال عليها بوصف أخف تعين طرح السؤال وفق ما جاء في قرار الإحالة والإجابة عليه حسب اقتناع أعضاء المحكمة وتبقى لها سلطة تقديرية في طرح أسئلة عن الظروف المشددة التي أضافتها محكمة الدرجة الأولى و الإجابة عليها حسب اقتناعها كما يمكنها تجاوز هذه الظروف إن رأت عدم وجودها.
سادسا: لا يجوز القضاء بالعقوبات التكميلية التي لم يتم الحكم بها في الدرجة الأولى ولو كانت إجبارية في غياب استئناف النيابة.
سابعا: لا يجوز رفع المبلغ المحكوم به في الدعوى المدنية ما لم يستأنف الطرف المدني بدوره في هذه الدعوى (
ثامنا: في حالة عدم قبول استئناف النيابة العامة شكلا يكون ذلك بمثابة عدم قبول استئنافها.
ولا تجوز إساءة وضعية المتهم المستأنف معها.
تاسعا: خلاصة القول في كل هذا أنه على جهة الاستئناف أن تراعي ما كان يهدف إليه المتهم المستأنف وحده وهو إما تخفيف العقوبة وفي أسوأ تقدير عدم رفعها أو البراءة كما لا تجوز إدانته بجريمة أو ظروف مشددة تمت تبرئته منها ولو مع عدم رفع العقوبة فكل ما قضي به لصالحه صار حقا مكتسبا.
4ـ عدم اختصاص التشكيلة الخاصة أو التشكيلة العادية للفصل في قضايا من غير اختصاصها
لقد جاء المشرع بتشكيلة جديدة في محكمة الجنايات من القضاة المحتلافين فقط وجعل الفصل في جرائم المخدرات والإرهاب والتهريب من اختصاصها المانع أو الحصري دون غيرها ونتيجة لهذا يتعين على جهة التحقيق في حالة ارتباط هذه الجرائم بجرائم أخرى من القانون العام أن تفصل المتابعة في كل منها فلن لم يتبع ذلك وجب على غرفة الاتهام عند إصدار قرارها بالإحالة أن تحيل كل جريمة على الجهة المختصة بها من جل الفصل فيها.
في حالة ما إذا رأى رئيس المحكمة الجنائية أن جريمة ليست من اختصاص الجهة التي يرأسها أو تم الدفع بذلك من أحد الأطراف يتم إصدار حكم في هذه المسألة العارضة بتشكيلة القضاة المحترفين قبل بداية تشكيل المحكمة أمام الجهة العادية وعند بداية الجلسة أمام التشكيلة الخاصة يقضي فيه بالتخلي عن القضية لفائدة التشكيلة الأخرى ويكون هذا الحكم قابلا للطعن بالنقض مع الحكم الفاصل في الموضوع أن كانت هناك جريمة أخرى وقع الفصل فيها. فان لم توجد يكون الحكم الفاصل في المسألة العارضة قابلا للطعن بالنقض وحده.( )
ـ يجوز للجهة المحالة عليها القضية أن تفصل في الجرائم المرتبطة التي يكون الغرض من ارتكابها تحقيق الهدف من ارتكاب جريمة أخرى سواء من عدة أشخاص أو من شخص واحد فقط وهذا يكون في الحالة الأولى بوحدة التفكير في تحقيق الهدف الموحد.
فرغم ارتكاب كل منهم لجريمة مختلفة لكن الهدف المتفق عليه واحد وهو الذي يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد الاختصاص إما في الحالة الثانية فان نفس الشخص يرتكب عدة أفعال لكن بهدف تحقيق غرض واحد و مثاله حيازة سلاح ناري بدون رخصة لارتكاب جريمة قتل إرهابية .
كيفية تعليل الحكم الجنائي
لقد أصبح تعليل الأحكام القضائية مسألة دستورية دون استثناء طبقا للمادة 162 من الدستور لعام 206 الأمر الذي جعل المشرع يعدل المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية ويضيق بهل فقرة تفرض إبراز أهم العناصر التي اقتنعت بها المحكمة أثناء المداولة في إدانة المتهم أو براءته وذلك في ورقة التسبيب التي تلحق بورقة الأسئلة ويوقع عليها من الرئيس أو القاضي الذي يفوضه لذلك، علما لان هذه الورقة لا تعوض الأسئلة و الأجوبة غير أن كيفية التعليل تختلف عن كيفية تعليل الأحكام العادية لكونها عبارة عن جمل، كل جملة تتضمن عنصرا معينا اقتنعت به المحكمة في حالة الإدانة أو لم تقتنع .
في حالة الإدانة
لقد اقتنعت المحكمة الجنائية بإدانة س لارتكابه (ذكر الوصف الكالم للجريمة وعند الاحتمال الظروف المشددة، تاريخ ومكان الوقائع وهوية الضحية) وذلك بسبب الأعباء المستخلصة التي تمت مناقشتها في المداولة بمشاركة القضاة والمحلفين في الرد على الأسئلة المطروحة وهي تشكل عناصر لإدانته.
ـ لقد اعترف المتهم بالوقائع المنسوبة إليه وان هذا الاعتراف تعززه العناصر الأخرى التالية:
(.......)
(.......)
في حالة البراءة
لقد برأت المحكمة الجنائية المتهم س من جريمة (ذكر الوصف الكالم و الظروف المشددة عند الاحتمال تاريخ ومكان الوقائع وهوية الضحية).
بعد مناقشة القضية من جميع جوانبها أثناء المداولة من طرف القضاة والمحلفين والتصويت على الأسئلة تبين أن المتهم لم يرتكب الجرم المنسوب إليه وذلك لعدم وجود أي دليل ضده.
(......)
(......)
في حالة انعدام المسؤولية الجزائية
لقد اقتنعت المحكمة الجنائية بان س قد ارتكب الوقائع المنسوبة إليه(ذكر الوصف الكامل للفعل وعند الاحتمال الظروف المشددة، تاريخ و مكان وقوع الجريمة وهوية الضحية) بسبب الأعباء المستخلصة ضده والتي نوقشت أثناء المداولة من طرف القضاة والمحلفين قبل التصويت على الأسئلة المطروحة .
لقد اعترف المتهم بارتكابه للوقائع المنسوبة إليه إضافة إلى تعزيز ذلك بالأدلة الأخرى وهي:
(......)
(......)
أن المحكمة الجنائية ثبت لديها من خلال التقرير الطبي بان المتهم كان يعاني من خلل نفسي أو عقلي أثناء ارتكابه للفعل افقده وعيه وإدراكه في مراقبته لتصرفه وقد اجابيت المحكمة على سؤال المسؤولية الجزائية بالنفي مما يوجب القضاة بالبراءة.
ـ أن إصابة المتهم بهذا المرض بعد تاريخ ارتكاب الجريمة الفعل يبقيه مسؤولا جزائيا لكنه لا يحاكم الا بعد شفائه وفي انتظار ذلك يودع مؤسسة نفسية من اجل العلاج .
ـ في حالة تعدد الجرائم المتابع بها كل متهم تعلل الإدانة أو البراءة في كل منها على حدى.
ـ من البديهي أن ورقة التسبيب لا تحرر إلا في الأحكام الحضورية التي تتضمن الأسئلة والأجوبة إما الأحكام الغيابية فيكون التعليل في صلبها
الملاحظات
إن كانت القواعد و الاجراءات التي كرستها المحكمة العليا في جلستها المنعقدة 20/02/2018 من شأنها جعل حد للإشكالات التي كانت تخص بعض الإجراءات و ذلك باعتبار أن هذه الجلسة انعقدت لتوحيد الاجتهاد القضائي و اتخذت بشأنها مداولة فإنه قد نتساءل عن جدوى و نفاذ القرارات المتخذة من وجهة نظر إلزامية تطبيقها من طرف القضاة.
كون المداولة لم تتخذ بمناسبة الفصل في طعن بالنقض و من طرف الغرف المجتمعة فإنها لا يكون لها أي أثر ملزم و لا تشكل اجتهادا قضائيا بمعنى الكلمة هذا و أن بعض المبادئ و الإجراءات التي تم تكريسها تقترب من إنشاء نصوص قانونية جديدة على غرار مثلا منع المتهم من الطعن بالاستئناف في أحكام محكمة الجنايات الابتدائية الصادر غيابيا ضد المتهم ما لم يطعن بالمعارضة في هذا الحكم فيما أن القاعدة العامة انه لا يجوز حذف طريق من طرق الطعن المقررة للمتهم .
نفس الملاحظة يمكن توجيهما للحل القضائي الذي أعطته هذه المداولة لإشكالية الاختصاص المانع للمحكمة الجنائية الفاصلة في جرائم الإرهاب و المخدرات و التهريب و التي تتشكل من قضاة محترفين دون المحلفين طبقا لأحكام المادة 258 من قانون الإجراءات الجزائية .
حسب المحكمة العليا فإنه يتعين على جهة التحقيق في حالة ارتباط جرائم الإرهاب و المخدرات و التهريب التي تختص بها المحكمة الجنايات المتشكلة بقضاة محلفين بجرائم أخرى من القانون العام أن تفصل المتابعة في كل منها فإن لم يتبع ذلك وجب على غرفة الاتهام عند إصدار قرارها بالإحالة أن تحيل كل جريمة على الجهة المختصة بها من أجل الفصل فيها و من جهة أخرى في حالة ما أحيلت أمام محكمة الجنايات جرائم بعضها من اختصاص المحكمة ذات التشكيلة الخاصة و البعض الآخر من اختصاص محكمة الجنايات ذات التشكيلة العادية فإنه يتعين التخلي عن النظر في الجرائم التي لا تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية المطروح أمامها القضية. و تبعا لهذا الرأي ففي حالة ما إذا رأى رئيس المحكمة الجنائية أن جريمة ليست من اختصاص الجهة التي يرأسها أو تم الدفع بذلك من أحد الأطراف يتم إصدار حكم في هذه المسألة العارضة بتشكيلة القضاة المحترفين قبل بداية تشكيل المحكمة أمام الجهة العادية وعند بداية الجلسة أمام التشكيلة الخاصة يقضي فيه بالتخلي عن القضية لفائدة التشكيلة الأخرى ويكون هذا الحكم قابلا للطعن بالنقض مع الحكم الفاصل في الموضوع إن كانت هناك جريمة أخرى وقع الفصل فيها و إن لم توجد يكون الحكم الفاصل في المسألة العارضة قابلا للطعن بالنقض وحده.
في اعتقادنا فإن هذه القاعدة التي تفرض فصل ملف المتابعة في حالة تعدد الجرائم المتابع بها المتهم أمام محكمة الجنايات بالتمسك بالاختصاص في الجرائم التي تختص بها فعلا محكمة الجنايات المطروح أمامها القضية و إحالة باقي الجرائم التي ليست من اختصاصها بالنظر إلى تشكيلتها ( بالمحلفين أو بدون محلفين) تتعارض مع قاعدة أخرى كرسها القانون و هي قاعدة ضم القضايا المنصوص عليها في المادة 34 من قانون العقوبات التي تنص أنه : " في حالة تعدد جنايات اوجنح محالة معا إلى محكمة واحدة فإنه يقضي بعقوبة واحدة سالبة للحرية ...". فكما أجاز القانون محكمة الجنايات بالفصل في الجنح و المخالفات التي ارتكبت مع الفعل المكيف جناية فإنه لا مانع في نظرنا أن تنظر المحكمة الخاصة المشكلة من قضاء محترفين في الجنايات و الجنح و المخالفات المرتكبة مع الجناية التي تختص بها هذه المحكمة.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى مجلس قضاء البويرة