بالنسبة للدفع بعدم الدستورية الذي نحن بصدده فإن المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص على ما يلي : " تفصــل المحكمة بحكم في أول وآخر درجة في الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها 200 000 دينار. إذا كانت قيمـة الطلـــبات المقدمة من المدعى لا تتجاوز 200 000 دينار تفصل المحكمة بحكم في أول وآخر درجة حتى ولو كانت قيمة الطلبات المقابلة أو المقاصة القضائية تتجاوز هذه القيمة. وتفصل في جميع الدعاوى الأخرى بأحكام قابلة للاستئــنــاف ". السؤال الذي أجابت عليه المحكمة الدستورية هو هل أن المادة 33 ن قانون الإجراءات المدنية والإدارية تتعارض مع أحكام المادة 158 من الدستور ( قبل تعديله) كونها ميزت بين المتقاضين و حرمت فئة منهم من درجتي القاضي.
للجواب عن هذا السؤال فإن المحكمة الدستورية اعتبرت أن التعديل الدستوري المصادق عليه في سنة 2020 كرس في المادة 165 مبدأ التقاضي على درجتين بنصها على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين و أنه متى كانت المادة 34 من الدستور لا تجيز تقييد ممارسة أي حق من الحقوق بما يمس بجوهره إلا لأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام و الأمن و حماية الثوابت الوطنية و كذا تلك الضرورية لحماية حقوق و حريات الأخرى يكرسها الدستور ، فلا يمكن للمشرع تقييد ممارسة حق التقاضي على درجتين ، فالمشرع حسب المحكمة الدستورية حينما أوجب في المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الفصل بحكم أول و آخر درجة في الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها 200 000 دينار فإنه يكون بذلك قد ميز بين المتقاضين في ممارسة حق التقاضي على درجتين و هو ما لا يتماشى مع ما كرسه صراحة المؤسس الدستوري في المادة 165 من الدستور. اعتبرت المحكمة الدستورية كذلك أن مبدأ المساواة الذي يضمنه الدستور لكل المواطنين أمام القانون و القضاء طبقا للمادتين 37 و 165 منه يستوجب عدم تقييد المشرع حق الأطراف في استئناف الأحكام الصادرة في المسائل المدنية بقيمة الطلبات المقدمة في الدعوى.
نتيجة لكل هذه الاعتبارات خلصت المحكمة الدستورية أن المادة 33 الفقرتين الأولى و الثانية من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تتعارض مع الفقرة 3 من المادة 165 من الدستور و من ثمة فهي غير دستورية. قررت المحكمة الدستورية أن هذا النص التشريعي يفقد أثره فورا كما أن أثر قرارها يسري على الأحكام المدنية التي لم تستنفذ آجال الاستئناف عند تطبيق أحكام المادة 33 الفقرتين 1 و 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
2- الدفع بعدم دستورية المادة 24 الفقرة الأخيرة من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29 أكتوبر سنة 2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة.
قرار رقم 01/ق. م د/ د.ع د 21 بتاريخ 28/11/2021 قضى بدستورية المادة 24 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29 أكتوبر سنة 2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة
وقائع الدفع بعدم الدستورية الذي عرض على المحكمة الدستورية و فصلت فيه بموجب قرار رقم 01/ق. م د/ د.ع د 21 بتاريخ 28/11/2021 تتمثل في أنه بمناسبة خصومة أمام قسم شؤون الأسرة ، قدم محامي الزوجة المدعية عريضة افتتاح دعوى تضمنت على حد قول الزوج المدعى عليه عبارات السب والقذف والمساس بالشرف والاعتبار الشخصي واصفة إياه بالشاذ. إثر الشكوى التي رفعها الزوج أمام قاضي التحقيق ضد المحامي محرر عريضة افتتاح الدعوى صدر أمر برفض إجراء التحقيق مؤيد بقرار من غرفة الاتهام و قد اتخذ هذا القرار الأخير على أساس أحكام المادة 24 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29 أكتوبر سنة 2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة التي تنص أنه : “ لا يمكن متابعة محام بسبب أفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة . بعد الطعن بالنقض في قرار غرفة الاتهام دفع الزوج المدعي في الطعن بعدم دستورية هذه المادة لكونها " تنتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور، لا سيما المادتان 37 و 47 منه، حيث تنص الأولى على أن كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولهم الحق في حماية متساوية ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي ، كما تنص المادة الثانية على أن لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة وشرفه ".
فصلا في هذا الدفع فإن المحكمة الدستورية صرحت بأن المادة 24 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29 أكتوبر سنة 2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة هي مطابقة للدستور و ذلك ارتكازا على أحكام المادة 176 منه التي تنص أنه : " يستفيد المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط، وتمكنه من ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون" ، كما اعتبرت أنه و إن كانت المادة 37 من الدستور تقر مبدأ المساواة فإن هذا المبدأ يتعلق أساسا بالمواطنين ممن هم في وضعيات متشابهة وفي مراكز قانونية واحدة والحال أن المادة 24 من القانون رقم 13-07 تمنع متابعة المحامي بسبب أفعاله وتصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة فهذا لا يشكل أي مساس بالمبدأ المذكور.
توسعت المحكمة الدستورية في شرح مفهوم الضمانات التي أقرها الدستور و القانون للمحامي أثناء تأدية مهامه . اعتبرت أن حق الدفاع من أهم الحقوق الواردة في الدستور وهذا لارتباطه وتكامله مع منظومة الحقوق الأخرى المقررة لصالح الإنسان والمواطن، كما يعد من جهة أخرى ضمانة أساسية لحسن سير العدالة وأصول ومقتضيات المحاكمة العادلة، ولذلك وردت هذه الضمانة في عدة اتفاقيات دولية منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما المادة 11 منه ، الذي انضمت إليه الجزائر بموجب المادة 11 من دستور سنة 1963 و العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، لا سيما المادة 14-3 (د) منه، والذي انضمت إليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-67 المؤرخ في 16 ماي 1989و الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، لا سيما المادة 7 منه، الذي صادقت عليه الجزائر بموجب المرسوم رقم 87-37 المؤرخ في 3 فبراير سنة 1987، و كذا لميثاق العربي لحقوق الإنسان، لا سيما المادة 16 منه، الذي صادقت عليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 06-62 المؤرخ في 11 فبراير سنة 2006 .
حسب المحكمة الدستورية فإن استفادة المحامي من الحماية القانونية لممارسته حق الدفاع المضمون دستوريا بكل حرية حتى يكون في منأى عن كل أشكال يعتبر من متطلبات المحاكمة العادلة فيما أن لا تمنحه أي مركز تمييزي بصفته الشخصية مما لا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون المكرس في المادة 37 من الدستور ما دام أن المحامي يقوم بذلك في إطار الدستور والقانون وبمناسبة ممارسته لمهنته، و تبعا لكل ذلك فإن المشرع بنصه على الحماية القانونية للمحامي أثناء ممارسة مهنته ومرافعته في الجلسة، وممارسة حق الدفاع بكل حرية في إطار الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون رقم 13-07 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة يكون قد مارس اختصاصاته الدستورية، وكرس الضمانات القانونية التي وردت في نص المادة 176 من الدستور ومن ثم فإن هذا النص لم ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور مما يستوجب التصريح بدستورية الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون المتضمن تنظيم مهنة المحاماة.
3- الدفع بعدم دستورية المادة 633 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
قرار رقم 02/ق. م د/ د.ع د 21 بتاريخ 05/12/2021 و قرار رقم 03 /ق. م د/ د.ع د 21 بنفس التاريخ قضا بدستورية المادة 633 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
في قرارين منشورين في الجريدة الرسمية رقم 04 بتاريخ 15 جانفي 2022 فصلت المحكمة الدستورية في دفع بعدم دستورية المادة 633 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص : " يتعين على رئيس المحكمة أن يفصل في دعوى الإشكال أو طلب وقف التنفيذ في أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما من تاريخ رفع الدعوى بأمر غير قابل لأي طعن" .
يتعلق الأمر هنا بإشكالات تنفيذ حكم أو سند تنفيذي . أحيانا و عند مباشرة إجراءات تنفيذ سند تنفيذي ( مثلا تنفيذ حكم المحكمة أو قرار المجلس القضائي ) فقد يعارض المحضر القضائي المكلف بالتنفيذ إشكالات أو صعوبات تحول دون مواصلة عمليات التنفيذ .مثلا قد يقوم الدائن حائز السند التنفيذي بحجز أموال المدين و لكن هذا الأخير و حتى يوقف التنفيذ قد يزعم أنه أوفى بالتزامه أو أن السند المرتكز عليه إجراء الحجز ( إذا تعلق الأمر مثلا باعتراف بدين محرر أمام موثق و ممهور بالصيغة التنفيذية ) باطل أو متقادم .في هذه الحالة فإنه يجب على المحضر القضائي وقف إجراءات التنفيذ و تحرير محضر عن الإشكال مع إحالة الأطراف أمام رئيس المحكمة الفاصل في الأمور المستعجلة.
بعد عرض الإشكال الذي وقع أثناء إجراءات التنفيذ و المثبت في المحضر الذي حرره المحضر القضائية على رئيس المحكمة فإنه يرجع لهذا الأخير الفصل في هذا الإشكال . إذا قبل رئيس المحكمة دعوى الإشكال و اعتبرها مؤسسة فإنه يأمر بوقف التنفيذ لمدة محددو لا تتجاوز ستة أشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى ، و إما في حالة رفض دعوى الإشكال فإنه يأمر بمواصلة التنفيذ. و في كلتا الفرضيتين و تطبيقا للمادة 633 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فإن الأمر الذي يصدره رئيس المحكمة يكون غير قابل لأي طعن أي أنه يكون غير قابل لا للمعارضة و لا للاستئناف و لا للطعن بالنقض.
المادة 633 من قانون الإجراءان المدنية و الإدارية التي تحول أمر استعجالي إلى أمر ولائي غير قابل لأي طعن أثير تحفظات حول مطابقته للدستور باعتبار أن منع أي طعن يعارض مبدأ التقاضي على درجتين المنصوص عليه في المادة 165 من الدستور. هذه المسألة هي التي كانت محل الدفع بعدم الدستورية و فصلت فيها المحكمة الإدارية بموجب القرارين رقم 2 و 3 .
بموجب القرارين السالفين الذكر فإن المحكمة الدستورية صرحت بدستورية المادة 633 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية. قبل تصريحها بدستورية هذه المادة فإن المحكمة الدستورية أشارت إلى دورها في ضمان احترام الدستور و أحالت على قرارها السابق الذي صرحت فيه بعدم دستورية المادة 33 الفقرتين 2 و 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و هي المادة التي كانت تمنع الاستئناف في الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها مائتي ألف دينار ، و لكن بالنسبة للدفع الحالي فإنها عاينت اختلاف بينه وبين الدفع السابق إذ أن موضوع الدفع السابق كان يتعلق بدعاوی موضوعية تمس أساسا بأصل الحق، ولها بالغ التأثير على المراكز القانونية للمتقاضين ما يستوجب احترام مبدأ من التقاضي على درجتين المنصوص عليه في المادة 165 من الدستور و ذلك حماية للحقوق والحريات ، و إما الدفع الحالي فإنه يتعلق بطلب وقف تنفيذ حكم نهائي بسبب قيام إشكال في التنفيذ بما يؤكد الصبغة النهائية للحكم القضائي المثار بصدده الإشكال في التنفيذ فيما أنه سبق استفادة المتقاضين من ضمانة التقاضي على درجتين دون أي حجب أو حرمان ، وهو ما يؤدي حسب المحكمة الدستورية إلى نتيجة مفادها انسجام مضمون المادة 633 موضوع الدفع مع مقتضيات المادة 165 من الدستور نصا وروحا..
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى مجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54 @gmailcom